من حيث المبدأ يفترض ان تشكيل كل حكومة جديدة له معنى، وأن المجيء بها هو عنوان لتغيير ما، كما يفترض أن اختيار رئيس الحكومة يتم على أساس أن له صلة أو إطلالة أو معرفة بالشأن العام، ولا نقول لا سمح الله إحاطة، ولا من غير شر امتلاك برنامج محدد الرؤية مدعمة بآليات عمل .الخ، وهذه الافتراضات وغيرها ترد عادة في الظروف الطبيعية الهادئة والمريحة فما بالك عندما يترافق تشكيل الحكومة مع زلازل وأعاصير وانفجارات اجتماعية وتوترات سياسية.

لقد كانت الحكومة السابقة تقوم بدورها في تصريف الأعمال وتسليك الأمور، وتحشو المواقع الحكومية بالمحاسيب و تحول المناصب إلى هبات وأعطيات وترضيات شأنها شأن الحكومة الحالية والحكومات السابقة التي لكل واحدة منها أزلامها بما يراعي حصة جهات أخرى نافذة ..الخ.

تلك الحكومة أسقطها الشارع، فكان لا بد من التضحية بها للتنفيس مؤقتاً ولأن الناس ارتاحوا لإزاحة الحكومة فإنهم سكتوا عن الحكومة الجديدة التي جاءت تؤكد المقولة التي رددناها على مدى 15 عاماً وهي أن الخط البياني للحكومات الأردنية في إنحدار وهبوط متسارع، ومع أن الكتاب كان بيّناً من عنوانه إلا أن الناس كما هي العادة دوماً يعطون فرصة لأي حكومة جديدة لعل وعسى تحدث معجزة..

وهذه المقدمة التي هي كلام معروف ومألوف هي للتذكير بأن الآمال المعلقة على العناوين التي رفعتها الحكومة الحالية كشعارات براقة لمواجهة استحقاقات المرحلة الدقيقة والصعبة التي يمر بها الوطن هي شعارات لتخدير الناس مؤقتاً، مع إيحاءات أنها تلتقي مع المطالب الشعبية في منتصف الطريق أو تسبقهم في تحقيق الأماني المرجوة ولذلك ركزت على شعارات محاربة الفساد، وإنجاز الإصلاح السياسي الذي قد تلحقه بإصلاح اقتصادي واجتماعي وإداري، كما أن مشروعها الاستثنائي الدعائي هو الحوار الوطني وما يترتب عليه من حلول خلاقة وإبداعية لتحقيق مشاركة شعبية وإصلاح شامل ومعالجة كل السلبيات والاختلالات ..الخ.

الحكومة تعد بمعجزة (( المانفستو)) الإصلاحي بعد أسبوعين كما أُعلن عن ذلك مطلع نيسان متصادفاً مع كذبة نيسان، وبما يوحي اقتراب نزول الوحي حاملاً بشائر اجتراح الحكومة للمعجزة الإصلاحية!!

في تفاصيل المشهد الحكومي الغارق في السبات بانتظار الوحي فإن اشراك الحكومة لشخصيات تتناغم معهم في لجنة الحوار لا يعفي الحكومة من أن تكون وحدها هي المسؤولة أمام الناس عن ترجمة شعاراتها بشأن الإصلاح، لكن كما قلنا في مستهل هذا المقال أن أي شخصية عامة له فرصة أن يحمل مسؤولية وطنية أو هو حتى من المهتمين بالشأن العام ولو من بعيد فإنه يفترض فيه أن يكون لديه فكرة مسبقة عما هو مطلوب سلفاً وما يمكن إنجازه وما هو ضروري تحقيقه، ومن المفارقات في بلدنا أن كل الحكومات في بلدنا وعدت بتغيير وإصلاح وإنجاز وهي كانت دوماً مطمئنة لعدم المحاسبة وتراهن على ربح الوقت بانتظار ما بعد رحيلها لتتملص من تحقيق ما وعدت به !! ودائماً تضرب الحكومات عند ولادتها موعداً بعد شهرين وقد يمتد إلى ستة أشهر وربما أطول إلى أن يحل أوان الرحيل .

ونأمل أن يطول عمر هذه الحكومة لتصدر اطروحة الحوار النظرية بعد أيام وكذلك الوعد بالثورة الإعلامية حسب الموعد المعلن في 20 نيسان الحالي، ونحن نتلهف لذلك ونترقبه بالساعة كما نتلهف لما يدور داخل لجنة الحوار وحولها ولو أن ما يتسرب لا يتعدى كلام إنشائي، وصياغات لفظية تجريدية.. و.. وربما لا يسمن ولا يغني من جوع ولو أننا أيضاً نرجو رحمة الله وانتظار الوحي ، وتحقيق معجزة التفكير الاستراتيجي الحكومي الذي يقود هذا الحوار .. و .. و .. و ..الخ .

خاص ب عمون .