متبوعا بضحكات المحبة ، لكأن قهقهته تصعد الجبل ،لتجيء لنا بشتل الشومر والنعناع ، ثم يبسط شفتيه لنشرب معا اكواب الشاي المعتق ، قبل ان يستهل صباحاته الباكرة ليقول لنا باسما :"شو في اليوم" .؟

متبوعا ؛بنبرات الرضا ،وهو يصعد الدرجات العشرين نحو المكتب ،ويتبعه القليل من اللهاث ،وحبات عرق لامعة مثل ورق الصفصاف ع.الجبين .!!

كان يمشي على مهل ،يبحث في جيوبه عن قصاصة ورق ..ها هي كنت ابحث عنها ،لقد كانت اللعينة عالقة بين بطانة الجاكيت وغطاء الجيبة ،يخرجها ،يتفحصها قبل ان يقرأ علينا ما جاء بها ،ثم يخرج بقية الاوراق من جيوبه ويروح يتلفها كتقليد يومي اعتدنا عليها كل صباح .

هكذا نحن ،في كل صبح يجيء ، غير ان صباح العاشر من ايار كان مختلفا ،فلا "زعيم العيادي" جاء ، ولا اتلفنا قصاصات الورق ،وبقينا نتظر حتى يجيء لنشرب قهو الصبح سوا ..قال احدنا ،سيأتي من نافذة الحلم بعد قليل ، فخالفه الرأي اخر قال :"زعيم لن يأتي" ،فاطبق على الزملاء صمتا غريب الاطوار ، تضمن التأمل مرة واختلاف بلون الوجوه مرات ، فرحنا جميعا نحوقل ونستغفر الله في علاه .

لم يكن الزملاء يعرفون ان تلك الضحكات ستكون الاخيرة ،وان ذلك الصمت الذي جمعنا في "نقابة الصحفيين " قبل الرحيل بليلة سيكون المشهد الاخير له ..ولم اكن ادرك ان اعتذاره لي بعد "ان دلق قهوة المساء" على بنطالي انه سيكون الاعتذار الاخير ..وقتها قال :"كب القهوة خير " فشاطرته القول مختلفا :"زعيم كب القهوة" ، ورحنا الى ضحكة موجعة ..لم اعرف انها ضحكته الاخيرة .!

المكان :اربد ..الزمان 9/ايار/2011 ..الموضوع :الافطار الاخير .

كل شيء له ترتيب قدري ، فافطارنا صباح الثامن من ايار (المحامي عبد الرؤوف التل رئيس بلدية اربد السابق والزميل المرحوم زعيم العيادي والزميل قصي جعرون وانا ) لم يكن بترتيب مسبق بالمطلق ..كل شيء جاء صدفة ،وتحلقنا حول طاولة في مطعم جيد :حمص باللحمة وفول ومسبحة واصر زعيم على ان يحضر النادل صحن زيت زيتون اصلي ،تذوقه وأومأ برأسه يمينا وشمالا كدلالة انه ليس اصليا وتجاوزنا المسألة وقلنا ربما اعتادت مطاعمنا على هذه النحو من الغش ..تحاورنا حول قضايا كثيرة ،ولم تفارق الضحكة وجه زعيم ..وضحك كثيرا بعد ان عرف بانني من دفع الحساب.!!

القدر رتب كل شيء ،لكنه لم يبلغنا انه سيكون الافطار الاخير مع زعيم ، ولن يكون فنجان القهوة الاخير ..ولا رشة العطر الاخيرة التي اعتدنا عليها من الزميل جعرون ..

زعيم :صباح الشوق صديقنا وزميلنا في المهنة والحلم ، وصباح الندى الغوراني الجميل على شاهد قبرك ..ها انذا ارسم مشهد نومتك الاخيرة على ضفاف الشونة الشمالية تحت شجرة الزيتون ، وها هم الزملاء يستحضرون مشهد اللقاء الاخير معك ،يلملمون الحلم من حواف سهول الشونة ،خشية عليه من هبوب الريح ،يلقون التحية على الجبل الذي يحرس موتنانا هناك ،ويتأملون وهم يشيعونك ضحتك الاخيرة ..صدقني انك انت الوحيد ممن ماتوا حتى هذا التاريخ من الزملاء من كتب حيا وميتا :"خبر موتك وخبر عن وزير انت كتبته قبل موتك بساعات".!!هكذا نحن نمسك بالحبر العنيد حتى اخر لحظة .

نفتقدك ؛والاعتراف بالشوق فضيلة ..نؤمن بقدر الله الذي لا تضيع عنده امانة ..اكتب لك هذا الصباح لاننا نفتقدك ..والاعتراف بالشوق فضيلة ..هذا كل ما في الامر يا زعيم ؛فسلام على روحك وعلى نومتك الابدية .

Andandyab@yahoo.com