يلعب الأردن دورًا محوريًا في الأزمة السورية، وذلك نتيجة للعلاقات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي تربط البلدين مع بعضهما البعض، بالاضافة الى قُربها الجغرافي من سوريا الذي جعلها من الدول الأكثر تأثراً بالأزمة السورية ، و يشكل الأردن جزءًا من منظومة دول إقليمية تسعى لمعالجة تداعيات الصراع السوري و من بينها السعودية وتركيا ، سواء من الناحية الأمنية أو الإنسانية أو السياسية ، وفي هذا السياق، تأتي زيارة الوفد الأردني رفيع المستوى إلى تركيا كجزء من جهود دبلوماسية تسعى لتحقيق أهداف متعددة وعلى رأسها الأهداف الأمنية والإقتصادية .
ومنذ إندلاع الحرب في سوريا عام 2011 ، استقبل الأردن مئات اللألاف من اللاجئين السوريين ، مما شكل ضغطًا كبيرًا على البنية التحتية والاقتصادية في الاردن ، وقد سعى الأردن إلى توفير الدعم الإنساني لهؤلاء اللاجئين بالتعاون مع المجتمع الدولي ، مع التأكيد على أهمية إيجاد حلول دائمة للصراع تسهم في عودتهم الطوعية إلى بلادهم ، ونظراً للموقع الجغرافي المشترك مع سوريا ، يولي الأردن اهتمامًا كبيرًا لضمان أمن حدوده الشمالية، وقد عمل على التنسيق مع القوى الدولية والإقليمية للحد من تهديدات الإرهاب والتهريب وخاصة تهريب المخدرات والسلاح المرتبطة بالصراع السوري مباشرة قبل سقوط الأسد .
وقد ساهم الأردن في العديد من المبادرات الإقليمية والدولية لحل الأزمة السورية ، مثل محادثات أستانا ومؤتمر جنيف كما يدعم الأردن الحل السياسي الذي يحترم وحدة الأراضي السورية ويضمن عودة الاستقرار اليها وخاصة بعد سقوط النظام ، وفي ظل هذة الظروف جاءت زيارة الوفد الاردني الى تركيا التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الأردن وتركيا فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية وخاصة فيما يتعلق بالشأن السوري ، لا سيما الأزمة السورية ، ومن المعلوم ان تركيا تحظى بنفوذ كبير في الملف السوري نظرًا لدورها كدولة مجاورة ومستضيفة لللاجئين السوريين، وتتركزالمباحثات على التنسيق الأمني لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب والتهريب عبر الحدود ، فضلاً عن مناقشة تأثيرات الحرب على أمن المنطقة ، كما ان تركيا كانت إحدى الدول التي وقعت على التفاهمات الدولية حول سقوط نظام الاسد ووضعت التصورات لرسم مستقبل سوريا ، وهذه التفاهمات كان عرابها الاساسي و موزع الأدوار وصيغ الحكم المستقبلية فيها ، هي دولة الولايات المتحدة الاميركية .
ومن المهم ان نعرف ان هذه الزيارة تأتي في إطار الجهود الرامية لدعم الحل السياسي في سوريا ، و يسعى الجانبان التركي والأردني إلى توحيد الجهود ضمن إطار دولي وإقليمي يضمن التوصل إلى تسوية شاملة ، تهدف الزيارة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الأردن وتركيا ، و يشمل ذلك مناقشة مشاريع مشتركة وفرص استثمارية.
وهنا تلعب الأردن دورًا محوريًا في التعامل مع الشأن السوري ، سواء من خلال استضافة اللاجئين ، أو تعزيز الأمن الإقليمي ، أو المشاركة في الجهود الدبلوماسية و زيارة الوفد الأردني إلى تركيا تعكس اهتمام المملكة الأردنية بتعزيز التعاون الإقليمي لمعالجة تداعيات الأزمة السورية ودعم الحلول السياسية المستدامة ، ومن المتوقع أن تسهم هذه الخطوة في تعزيز استقرار المنطقة وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول المعنية ، وهذه من ثمار الدبلوماسية الاردنية التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الامين ، والتي اثمرت عربيا و اقليميا ودوليا وباحترافية متميزة ، فشكرا لجلالة الملك و الشكر بعد ذلك للوفد المشارك في هذه المحادثات المثمرة ، وكذلك الجهود الدبلوماسية الاردنية المبذولة لتعزيز اواصر التعاون المثمر مع النظام السوري الجديد لإنجاحه في الانتقال بالعلاقات من لغة قيادة التنظيمات المسلحة الى لغة دبلوماسية الدولة وفهم جديد للتعاون في اطار المصالح المشتركة بين سوريا والاردن التي تسعى كل من السعودية والامارت العربية والاردن وتركيا كدول في المنظومة الاقليمية الداعمة الى سوريا ، مع التركيز على خصوصية العلاقة الاردنية السورية الجديدة .
حمى الله الاردن و باقي الدول العربية و الاسلامية .
* النائب السابق / د. بركات النمر العبادي.