إنّ مما لا شك فيه أن الأحداث الأخيرة في الساحل السوري مُقلقة، وإنّ مما لا شك فيه أيضاً أن كل حريص على استقرار سوريا واستعادتها لنفسها ودورها شعر بالانزعاج وهو يتابع ما حصل من قِبَل "فلول النظام السابق" من تعديات على رجال الأمن والمؤسسات العامة، أو من خلال بعض التجاوزات والانتهاكات التي رافقت حق السلطات المشروع في وأد الفتنة وتكريس حالة الأمن والاستقرار.
ولكن هل هناك خوف حقيقي على سوريا بحيث تقع -لا سمح الله- في وضعية تشطي وانفصال أو فتنة طائفية تقود إلى حرب أهلية مدمرة على النحو الذي حصل في ليبيا أو غيرها؟.
في تقديري أنّ ذلك غير وارد لعدد من الاعتبارات:
أولاً: الرفض الشعبي القاطع للمساس بأمن البلاد ووحدتها والذي تبدى واضحاً من المظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن الكبرى، والتي دلت بوضوح على التوجه الجماهيري العام لدعم القيادة السورية الجديدة السائرة بخطى منهجية نحو دولة قانون ومؤسسات، الأمر الذي عكسه المؤتمر الوطني العام، وتشكيل لجنة لصياغة الدستور، واختيار مجلس تشريعي مؤقت وحكومة تعكس كافة مكونات الشعب السوري وشرائحه.
ثانياً: حكمة القيادة السورية الجديدة (بغض النظر عن خلفيتها السلفية الجهادية) التي بادرت على الفور إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لقمع "التمرد" في الساحل، وفي نفس الوقت "لجم" الانتهاكات والتجاوزات التي يبدو أنها حصلت من بعض الجهات المُنفلتة، وقد تُوّج ذلك بتشكيل لجنتين: إحداهما للتحقيق في الأحداث الأخيرة وتحري أسبابها ومسببيها، والثانية للحفاظ على "السلم الأهلي" وتدعيمه.
ثالثاً: الاتفاق الذي تم توقيعه بالأمس بين قوات "قسد" الكردية والرئاسة السورية، والذي وحدَّ عملياً شمال وشمال شرق سوريا (بين 20 إلى 25%) من الجغرافيا السورية مع البلاد، وقطع الطريق على أي تدخل عسكري تركي كبير في المنطقة، والذي عنى عملياً موافقة الولايات المتحدة على المسار السوري الجديد بما يترتب على ذلك من أسلوب التعامل مع بقايا "داعش"، ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، وبالذات ما يُعرف بقانون "قيصر".
رابعاً: توافق جميع دول الجوار السوري (باستثناء إسرائيل) على دعم وحده سوريا واستقرارها، ومساعدتها على تجاوز العقبات التي تواجهها وبالذات العقوبات الاقتصادية، وقد اتضح هذا التوافق من خلال مخرجات الاجتماع الهام الذي عقدته جميع دول الجوار السوري في عمان (الأردن، لبنان، العراق، تركيا)، حيث اشارت بوضوح إلى أن وحدة سوريا واستقرارها هي ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة.
خامساً: عدم قدرة إيران التي قد ترغب في استعاده نفوذها في سوريا على عمل الكثير في الداخل السوري، وذلك بالنظر إلى بعدها الجغرافي عن سوريا، وعدم رغبة العراق (المجاور لسوريا وإيران) في التعاون معها في هذا الشأن (مع أن "الحشد الشعبي" العراقي قد يكون راغباً في ذلك)، وقد يُضاف إلى ذلك عدم قدرة "حزب الله" اللبناني على التدخل في ظل الظروف الحالية التي يواجهها.
سادساً: عدم رغبه القوى الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا في عرقلة المسار السوري كلٌ لمصلحته طبعاً، فالولايات المتحدة ليست راغبة في ذلك لأنه قد يعني حكماً عودة النظام السوري السابق بتحالفاته الإيرانية المعروفة، وروسيا لا تجد أية فائدة حقيقية لها في مثل هذه المغامرة التي قد تقود إلى إفشال جهودها لاستبقاء قاعدتيها المهمتين في سوريا (طرطوس البحرية، وحميميم الجوية)، وقد تقود إلى قطع خطوطها نهائياً مع الدولة السورية الجديدة.
سابعاً: عدم رغبة إسرائيل في عودة النظام السابق لأنها تدرك تماماً تعذر ذلك، كما أنها تدرك أنها حققت مكاسب كبيرة على أثر سقوطه حيث وصلت إلى أعالي جبل الشيخ واحتلت المنطقة العازلة بينها وبين سوريا حسب اتفاقية 1974، وفرضت واقعياً حالة نزع سلاح في محافظات سوريا الجنوبية (القنيطرة، درعا، السويداء).
وباختصار، وإذا أخذنا هذه العوامل: المحلية، والإقليمية، والدولية متفاعلةً فإنه لا خوف حقيقياً على سوريا لا من التقسيم، ولا من الحرب الأهلية، والأمر الذي يجب ألا ننساه في هذا السياق هو أن الوضع السوري في حالة "مُخاض" فهناك نظام سياسي سقط بعدما يزيد عن ستين (60) سنة (فترة البعث وفترة عائلة الأسد) من الحكم الاستبدادي، وهناك نظام جديد "يتخلّق" ببطء ولكنه يسير بخطوات حثيثة نحو دولة عصرية يحكمها القانون والمؤسسات، وتعمل على إنقاذ شعبها الذي ذاق الأمرين من اللجوء (الخارجي)، والنزوح (الداخلي) فضلاً عن مرارات الحرب الأهلية التي استمرت لما يزيد عن ثلاث عشرة سنة.