بين الشعارات والمخططات: المشهد الأردني عند تقاطع الأمن والوعي الشعبي
محمد حسن المومني
17-04-2025 08:30 PM
في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في المشهد الأردني الحديث، أعلنت السلطات عن إحباط مخطط تخريبي وصفت حجمه ونطاقه بأنه غير مسبوق منذ عقود. تصنيع صواريخ وطائرات مسيّرة، وتجنيد لصالح تنظيم خارجي، وتورط كوادر من جماعة الإخوان المسلمين، كلها مؤشرات تدفع لقراءة القضية بعيدًا عن بعدها الأمني المباشر، نحو عمقها السياسي والاجتماعي والفكري.
الوعي الشعبي الأردني، المتداخل تاريخيًا وعاطفيًا مع القضية الفلسطينية، لطالما منح الجماعات التي ترفع شعار "المقاومة" مساحة من القبول الرمزي، تتجاوز البرامج السياسية إلى ما يشبه الامتياز المعنوي. لكن تلك الشرعية الأخلاقية لا يمكن أن تستمر دون مراجعة عندما يتحول الخطاب من مناصرة القضايا القومية، إلى حالة دائمة من التحريض الممنهج ضد مؤسسات الدولة، والتشكيك المتواصل في شرعيتها، وهو ما مارسته الجماعة لسنوات بشكل مباشر أو عبر ذراعها السياسي والإعلامي.
الأخطر من التحريض، أن هذا الخطاب التصادمي، الذي يتغذى على فكرة "الدولة العميقة" و"السلطة المتآمرة"، لم يكن فقط وسيلة للمعارضة، بل أصبح أداة تعبئة داخلية، صنعت بيئة نفسية مهيأة للاشتباك، بل ربما لتبرير التورط في مخططات تستهدف البنية الأمنية للدولة. وهنا تبرز العلاقة العضوية بين اللغة المستخدمة، والفعل الذي تهيّئ له.
أن يُضبط 16 شخصًا، بعضهم في مواقع قيادية داخل التنظيم، وهم بصدد تصنيع أسلحة وتجنيد عناصر ضمن مشروع عسكري، لا يمكن فصله عن الجو الخطابي الذي سبق هذه الأفعال. فالكلمات ليست محايدة، وخطاب التخوين والعداء للمؤسسات ليست له عواقب رمزية فقط، بل واقعية وملموسة.
هذا لا ينفي ضرورة التمييز بين الأفراد والتنظيم من حيث التفاصيل، لكنه لا يعفي الجماعة من المسؤولية الكاملة عن الخطاب الذي تبنّته وروّجت له، وما أنتجه من بيئة حاضنة للفعل التخريبي. ولا يُمكن بأي حال فصل المخطط عن السياق الذي مهّدت له الجماعة على مدى سنوات من التحريض والتشكيك. فالأمن لا يتعرض للتهديد فقط بالصواريخ، بل أيضًا بالأفكار التي تمهّد لإنتاجها، وتُعبّد لها الطريق تحت غطاء الشعارات والمظلومية.
وفي هذا المشهد، يصبح دور النخب مضاعفًا: أولاً، في تحصين المجتمع من الاستقطاب الحاد الذي قد يخلقه الحدث؛ وثانيًا، في المساهمة بصياغة وعي عام متزن، يدرك أن القضايا الكبرى لا يمكن أن تُختزل في شعارات، ولا أن تكون غطاءً لتقويض الدولة.
ختامًا، المطلوب ليس فقط تفكيك الخلية التخريبية، بل أيضًا تفكيك خطاب التجييش والتشكيك الذي سبقها ومهّد لها. وإذا أرادت الدولة أن تحمي أمنها بعيدًا عن المعالجات المؤقتة، فعليها أن تعمل بالتوازي على استعادة ثقة الناس بخطابها، وتقديم نموذج يحتكم للعدالة، لا يسقط في التعميم، لكنه لا يتهاون مع التحريض الممنهج.