قراءة هادئة في خطاب "العمل الإسلامي"؛ مقاربات سياسية ودلالات أمنية
محمد حسن المومني
22-04-2025 05:31 PM
في مناخ سياسي حساس ومفتوح على احتمالات متعددة، جاء خطاب كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي في مجلس النواب عقب الكشف عن مخطط إرهابي خطير استهدف أمن البلاد، كمؤشر على طبيعة تعاطي الحزب مع قضايا الأمن الوطني. الخطاب الذي حمل في ظاهره موقفًا متماسكًا، كشف في مضمونه عن اختلالات وتناقضات بنيوية تستحق وقفة تحليلية، ليس بدافع الاصطفاف أو المناكفة، وإنما في إطار القراءة الموضوعية التي تنطلق من الحرص على وحدة الدولة وتماسك نسيجها السياسي.
فقد جاء الخطاب متوترًا في بنيته، محمّلًا بلغة شعبوية، لا تستهدف النخبة بقدر ما تخاطب قطاعات مجتمعية غير مسيسة، في محاولة لتأطير الرواية السياسية للحزب ضمن إطار تعبوي. كما غابت عنه الإشارات الصريحة للوقائع التي أعلنتها الأجهزة الأمنية، واختيرت مفرداته بعناية لتجنب تبني السردية الرسمية، أو الاعتراف بوجود تهديد فعلي، رغم شفافية الرواية الأمنية ووضوح المعطيات.
تميّز الخطاب بتناقضات واضحة في الموقف والمفردات، إذ وُظّفت شعارات عامة ومصطلحات فضفاضة، تعكس موقفًا دفاعيًا مشوبًا بالتوجس. فقد حاول الحزب، بشكل غير مباشر، تقديم نفسه كمكوّن سيادي، يتجاوز أدوار المعارضة التقليدية، ويوحي بقدرته على تمثيل مواقف سيادية باسم الدولة في لحظة دقيقة تتطلب انسجامًا مؤسسيًا ووضوحًا في المرجعيات.
كما تضمّن الخطاب إشارات رمزية تتعلق بالمرجعيات الوطنية العليا، قد يُفهم منه كمحاولة لاقحامها في الجدل السياسي وتجاوز خصوصيتها كمرجعية دستورية ضامنة، بما يفتح الباب أمام ضرورة ترسيخ الفصل بين المعارضة المشروعة، وبين المؤسسات الضامنة لوحدة الدولة واستقرارها.
كذلك، جاء تناول المخاطر الإقليمية في خطاب الحزب انتقائيًا، إذ تم التركيز على تهديد المشروع الصهيوني، بينما جرى تغييب الإشارة إلى مشاريع إقليمية أخرى تشكل تهديدًا مباشرًا ومثبتًا في إفادات رسمية. هذه الازدواجية في تصنيف المخاطر تؤشر الى اشكالية في فهم اولويات الامن الوطني ضمن سياقاتها الشاملة، ومحاولة تأطير الأزمة ضمن رؤية محددة تتجنب المساس بعلاقات إقليمية قائمة.
كما تضمن الخطاب تحذيرات مبطنة، وربطًا مباشرًا بين الاستقرار السياسي ووجود التنظيم، ما يعكس شعورًا داخليًا متناميًا بالتهديد، في ظل تراجع قدرة الحزب على ضمان حماية سياسية كافية. ومن اللافت استدعاء العشيرة كإطار بديل عن التنظيم في بعض التعبيرات، بما يوحي بتحول في أدوات الحماية والدفاع عن الذات.
كما بدا واضحًا محاولة عمل ازاحات لصرف الأنظار عن جوهر القضية وتقديم الذات كضحية، من خلال توجيه النقد للبيئة السياسية والمجتمعية واسكات الاصوات المنتقدة، وتحميل جهات مختلفة مسؤولية التوتر، في حين لم يُطرح أي نقاش جاد حول جوهر التهديد الأمني الذي فُتح النقاش بسببه.
رغم كل ذلك، تضمن الخطاب إشارات إلى تمسك الحزب بالموقف الوطني العام، ورفضه للاستقواء على الدولة، وتأكيده على احترام المرجعيات العليا، ما يعكس ازدواجية بنيوية بين الخطاب السياسي التعبوي والموقف المؤسساتي الذي يفترض أن تتبناه قوى المعارضة الوطنية.
تُظهر هذه القراءة أن الخطاب الإعلامي والسياسي لحزب جبهة العمل الإسلامي في هذه المرحلة الحرجة يعاني من إرباك واضح في تحديد تموضعه داخل الدولة الأردنية، بين كونه معارضة شرعية تعبر عن فئة من المواطنين، وبين تبني سرديات تغذي الانقسام وتضعف الاصطفاف الوطني. وهنا تبرز مسؤولية الدولة في إدارة هذا النوع من الخطابات دون الوقوع في فخ الاستقطاب، بل عبر تعزيز منطق المؤسسات وسيادة القانون، وتأكيد المرجعيات الجامعة، بما يكفل حماية الأمن الوطني ويصون التعددية ضمن ثوابت الدولة.