الأردن وفلسطين: بين تحالف الدم والذاكرة… الأردن بوصلة الرواية؟
محمد الحباشنة
12-05-2025 03:43 PM
ثمة علاقات تنشأ بالمصالح، وأخرى تُبنى على الجغرافيا، لكن العلاقة الأردنية الفلسطينية كُتبت بالحبر الوحيد الذي لا يزول: الدم.
هذه ليست شراكة عابرة بين دولتين، بل وحدة نصير ومصير تشكلت في لحظات التاريخ الحاسمة، حين لم تكن الكلمات تكفي، فتكلمت البنادق… من نكبة 1948 إلى معركة الكرامة 1968، لم يكن الأردن على الهامش، بل في صلب المعركة، يدفع من دمه وجنوده ثمنًا لموقفه، وهذا ليس ادعاءً، بل سجل موثق في قبور الشهداء وفي الوجدان الجمعي للشعبين..
اليوم، يتواصل هذا الدور بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني المفدى ، الذي يتحرك في المحافل الدولية مدافعًا عن القدس والمقدسات، حاملاً قضية فلسطين في كل منصة، ومع ذلك، فإن ما كان واضحًا كالشمس بات اليوم عرضة للتشويه، هناك من يسعى لإعادة تركيب الذاكرة وطمس المعالم التي تربط عمّان بالقدس، وكأننا أمام محاولة ممنهجة لنزع المشترك وتفكيك الحاضر باسم تأويل الماضي..
في هذا المشهد، يقف الإعلام الأردني على المحك.. لم يعد الحديث عن "دور الإعلام" ترفًا نظريًا، بل سؤال وجودي: من يملك الرواية؟ ومن يصوغ الوعي في زمنٍ باتت فيه الأكاذيب تنتشر أسرع من الحقائق، وتُروّج على أنها وجهات نظر؟
نحن لا نواجه مجرد شائعات، بل مشاريع تفكيك ناعمة، تُدار عبر أدوات رقمية، وتتخفى خلف حسابات مزيفة، لكنها تضرب في العمق: في الثقة، في جذور التاريخ، وفي الثوابت..
وأمام هذا، فإن الاكتفاء بردود عاطفية أو بيانات مناسباتية ليس سوى انتحار بطيء للرواية الوطنية نحن بحاجة إلى:
إعلام هجومي لا دفاعي: يرصد، يحلل، يكشف، ويفكك البنية السردية للخصم..
شبكة وعي جماعي تمتد من الإعلام الرسمي إلى الإعلام الشعبي، تدرك أن كل منشور فردي قد يُصبح سلاحًا في معركة الوعي..
تحالف استراتيجي بين الإعلام والأمن الوطني، يتجاوز الرقابة إلى المواجهة والمكاشفة الذكية، لأن المعركة اليوم ليست على الأرض بل على الذاكرة..
إن التهاون في معركة السردية أمر خطير… لأن من يُهزَم في روايته، يُهزَم في شرعيته، ومن يُصادر تاريخه، يفقد قدرته على الدفاع عن مستقبله..
ختامًا، إن العلاقة الأردنية الفلسطينية لا تُهدَّد من الخارج بقدر ما تُخترَق من الداخل، حين يصمت أصحاب الحق، ويتركوا المنصات لمن لا تاريخ لهم..
لذلك، كما تصدى الأردن قديمًا للدبابات، عليه اليوم أن يتصدى لأمواج التضليل، بحزم يليق بحجم التضحية، وبخطاب لا يخجل من الحقيقة..
فلا تهاون في دمٍ سُفك، ولا مساومة على تاريخ كُتب بالدم والعنفوان والكرامة.