في الذكرى التاسعة والسبعين للاستقلال: الاردن ، وطن لا يُدار بل يدير المشهد بإرادته.
لا تكتب الأمم المجد بالرغبات بل تدونه بالبأس بالنزيف بعناد البقاء، وفي زمن تتهاوى فيه الخرائط وتمسخ فيه الأوطان إلى صفقات يقف الأردن لا كبلد صغير في الجغرافيا بل كأثر ثقيل في ميزان الكرامة.
الخامس والعشرون من أيار ليس ذكرى استقلال بل هو تاريخ ميلاد الكِبَر في زمن شحت فيه القامات وسقطت فيه كثير من العواصم في فخ التبعية والإنمحاء.
حين أعلن الأردن استقلاله عام 1946 لم يكن ذلك إعلانًا لدولة تبحث عن مكان بل كان تحديّا صارخًا للعالم نحن هنا لا نشبه أحدا ولا نسمح لأحد أن يعيد رسمنا.
استقلالنا لم يكن منحة بل انتزاعا لم يكن نصًا مكتوبا على ورق بل قسمًا في العظم وجمرة في الكف وسيفا في الخاصرة..
هذا وطن لا تُفهم معجزته بالأرقام لم تمهده أنهار الذهب ولا سهول النفط بل صقلته الحاجة وربته القسوة وأحاطته التحديات من كل جانب فخرج منها أصلب من الفولاذ وأنقى من الموقف وأشد من الجرح..
الهاشميون لم يحكموا الأردن بل حملوا رسالته من عبد الله المؤسس الذي شجب حدود الانتداب إلى طلال الدستور الذي حصن الحقوق إلى الحسين الذي نحت الوطن بناءً إلى عبد الله الثاني الذي يبحر بسفينة الوطن وسط إعصار إقليمي بقبضة قائد لا يتلعثم ولا يطلب النجاة بل يصنعها..
لم تكن الدولة الأردنية ترفا تاريخيا بل ضرورة أخلاقية لم تبنَ كواجهة بل كموقف، هنا الإنسان ليس تابعًا للسلطة بل هو شريكها، هنا الأرض لا تباع والكرامة لا تُستدان والعلم ليس لونًا بل قَسم..
تسعة وسبعون عاما من الصبر والكبرياء لم نهن ولم نبتلع المهانة ولم نرضخ لإغواء الخنوع، وقفنا حيث يجب أن يقف الأحرار في وجه الريح وفي ضوء الشمس وفي عين العاصفة..
وفي فلسطين لم تكن مواقف الأردن صوتا في زحام بل سيفا في زمن الأقنعة لم نراوغ لم نساوم لم نبرر القدس في الوجدان لا في الملفات، والوصاية الهاشمية شرف لا يُطلب بل يُحمى بالدم..
الاستقلال في الأردن لا يُختزل في احتفال وفقط بل يتمثل في كل فعل سيادي في كل قرار لا يُصاغ خارج الإرادة وفي كل موقف يعلن فيه الأردن أنه لا يتبع أحدا ولا يشبه أحدًا ولا يسير إلا حيث تملي عليه كرامته..
في ذكرى الاستقلال لا نغني للأمس بل نحدق في الغد ،الأردن لا يحني هامته ولا يساير الزمن بل يربي الزمن على طباعه، هذا وطن لا يُخضعه الحصار بل يُغضبه التنازل لا يطلب النجاة من أحد بل يزرعها في ترابه..
كل عام والأردن ليس الدولة التي نجحت رغم التحديات بل الدولة التي صنعت المجد بالتحديات
كل عام وهذا الوطن سمو السيادة وصلب الإرادة ووجه لا يُدار وشموخ لا ينحني..
حماك الله يا وطني متغنين دومًا بأنك "بحجم بعض الورد" إلا أنك لك شوكة ترد إلى الكون بأسره الصبا.