facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين القدرة والرغبة


د. محمد بزبز الحياري
07-06-2025 11:22 PM

هذه الجدلية التي تتزامن وتتوحد عضويا حد التلاحم بثنائية الواقع والمأمول،فالقدرة مرتبطة بالواقع على الارض، والرغبة تشكل ماهو مأمول، وينقسم الناس الى اتجاهين بوجهات النظر ويكونا غالبا على طرفي نقيض في تناولهما والنظر بحيثياتهما، كل له حججه وبراهينه التي ترتقي حد الادلة لتسند وتدعم منطق معتنقيها ،فيذهب هؤلاء "للقدرة" وما يجول بالعقل والمادة فقط ،وتكون هي مرشدهم وحاديهم وهي اساس عقيدتهم ومجمل رؤيتهم وسلوكهم، ولا يروا شيئا آخر غيرها، بينما يتجه الآخرون "للرغبة المحضة" وما يدور في القلب والضمير والاماني ، ويسحبوا كل القول والحجج عليها وتصبح هي هاديهم ومنبرهم الاوحد.

وفي سلسلة التفاعلات الانسانية بالمجتمع قد يجابه بعضهم بعضا ويتحول الاختلاف بالحكم الى خلاف، وقد يذهب لأبعد من ذلك... الى التخوين وحتى التكفير، خصوصا اذا كانت هناك قضية كبرى قد برزت على واجهة الاحداث تستوجب رد الفعل وإبداء الرأي ،وما بين هذين النقيضين، يتوزع باقي الجمهور بدرجات، وتبقى المنطقة الوسطى هي الانصع والاكثر عقلانية وبالتالي الاكثر انتاجا وفهما وتقديرا للمعادلة باطرافها، سواء كانت "القدرة اوالرغبة" واسقاطهما على الواقع والمأمول كما يجب، ويقود بالنهاية لفهم حقيقي معتدل ومتزن وأكثر تقدما.. هذه المنطقة التي تأخذ "بالقدرة" ولا تنسى "الرغبة" وتعمل على تحقيق "الرغبة" عن طريق تنمية "القدرة" والذهاب بها الى آفاق أرحب ومديات اوسع ،ليكون هناك مجال حقيقي لتلبية هذه "الرغبة"، ولا تبقى مجرد امنيات تدور في فلك فارغ يلف حول نفسه...من ناحية ٱخرى إذا اختزلت القدرة وتقوقعت بصدفة الواقع المحض فلن يكتب لها التقدم ،وتبقى اسيرة مكبلة، وهنا تأتي الرغبة الصادقة المدروسة والممنهجة القابلة للتحقيق ، التي تكسر هذه القشرة، وتنطلق بها نحو فضاء التجديد، وبالتالي زيادة القدرة وتحقيق اهدافها، اما من يأخذ بالرغبة دون اي منصة اطلاق لها، هنا تكون الرغبات مجرد وهم ، وتدل على تفكير وسلوك قاصر لمعتنقيها.

في الدولة قد يتشابك الوضع لدرجة التعقيد ما بين من يدعو "للقدرة" ويناصرها ومن يدعو "للرغبة" وقد تكون هناك مؤسسات سواء رسمية او مدنية ، مبدأ عملها بواحدة منهن ، هنا يأتي دور السياسي الحصيف الراشد، السياسي (القائد) الذي يتربع المنطقة العقلانية ويأخُذ بناصيتها بإحترافية ، السياسي المقدر للواقع والمستشرف للمستقبل ، وصانع القرار الحكيم، الذي يدفع بمسيرة الامة للامام بالموائمة ما بين القدرة والرغبة ..

وكمثال على ما سبق اقول: انه قد تمر بالوطن قضايا خلافية كثيرة قد تكبر او تصغر وتسبب اشكالية وضبابية بالحكم ما بين "القدرة والرغبة"، خذ مثلا قضية الحرب على غزة ، فقد انقسم الناس وحتى النخب فيما يُطلٓب من الاردن تجاه هذه الحرب... خصوصا وأن هذه الحرب لم تقتصر على اسرائيل وغزة فقط، بل كان للعالم اجمع رأي و فعل تجاهها وبدرجات متفاوته، فبرزت جدلية "القدرة والرغبة" بشكل جلي، عندما عَبَّرَت فئة بالقول: ان قدرة الاردن محدودة حتى لمجرد إبداء مو اقف سياسية تجاه ما يدور هناك، نظرا لما يترتب على هذا الموقف من تبعات قد تضر بمصالح الاردن، بينما كانت الفئة الاخرى تتهم الاردن بالنكوص والتخاذل ويطالبوه بإلغاء معاهدة السلام ،وحتى للدخول بالحرب كأحد اشكال التضامن مع الاشقاء وقضيتهم العادلة..

وفي خضم هذه الاصطفافات الشعبية والنخبوية وحتى الدولية تجاه هذا الحدث الجلل الذي هز المنطقة والاقليم ، نرى ان الاردن بقيادته الحصيفة الراشدة، قد وائم بين "القدرة والرغبة" واستحوذ على المنطقة العقلانية المعتدلة الوازنة بينهما بشكل ابهر كل منصف على مستوى العالم، واستعمل هامش المناورة المتاح بذكاء وحكمة متناهية ومن قدرة على المسير فوق الحبال المشدودة، وتجاوز حقول الالغام المزروعة بطريقه إحترافية عالية، كل هذا وذاك وهو محافظا على ثوابته القومية تجاه الاشقاء والتزاماته الاخلاقية، موظفا كل قدراته السياسية والدبلوماسية واللوجستية نحوهم ، آخذا بعين الاعتبار اولا وآخرا مصالح الدولة العليا وأمنها واستقرارها كأولوية قصوى، ولا ننسى ان مساندة ودعم الاشقاء مصر والسعودية والتنسيق معهم في هذه الرحلة الشاقة اعطى مجالا رحبا مما دفع الاردن للاستمرار بقوة بهذا الخيار الاستراتيجي.
ان نتائج هذه السياسة ( وأي سياسة)على الارض ،هي المعيار في الحكم على صحة هذا أو ذاك، وقد عشنا وذقنا سابقا، وما زلنا نتجرع مرارة وثمن رعونة رؤسا عرب تسلموا زمام الامور في عقود مضت، تميزت فترات حكمهم برعونة وصراخ مفرط لرغبات بالنصر دون ادنى تقدير لقدراتهم.

وختاما نقول ان ترتيب الاردن كأقدم نظام بالشرق الاوسط كاملا وما حوله لم يكن الا نتيجة رشد سياسي وعمل دؤوب وحثيث وتعامل معتدل ووازن لجميع القوى بالمنطقة والعالم مسنودا بوعي وتفهم جبهة داخلية قل نظيره...

حفظ الله الوطن ترابا وشعبا وقيادة..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :