الملك من فرنسا: التوازن بين التنمية والحفاظ على البيئة
د. م. محمد الدباس
10-06-2025 08:26 AM
لقد شهدت مدينة (نيس) الفرنسية قبل يومين افتتاح أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات 2025 بحضور عدد من قادة الدول وصنّاع القرار وخبراء البيئة، لمواجهة التحديات المتزايدة التي تهدد سلامة المحيطات، من فقدان التنوع البيولوجي إلى التغير المناخي وتسارع الاحترار. وكانت من بين الكلمات البارزة التي لفتت انتباه المشاركين كلمة الملك عبدالله الثاني، الذي أكّد أن حماية المحيطات لم تعد ترفاً بيئياً بل ضرورة ملحّة تهمّ البشرية جمعاء، داعياً إلى تحرك دولي مشترك ومتوازن بين التنمية والحفاظ على البيئة.
لقد حظيت -ومن باب التخصص في قضايا البيئة والطاقة- بشرف الدعوة لحضور هذا المؤتمر، كما دعيت لذاك المؤتمر الإقليمي الذي انعقد العام الماضي لذات الخصوص في منطقة البحر الميت، لكن مشاركة الأردن لهذا العام كانت الأميز، فأثبت الأردن حضوره البيئي العالمي رغم محدودية سواحله.
الأردن في قلب المحيطات: التزام من دون سواحل
رغم أن الأردن لا يملك سواحل ممتدة على محيطات العالم، إلا أن الملك استعرض خلال كلمته (رؤية طموحة) تُبرز كيف يمكن للدول الصغيرة أن تلعب دوراً عالمياً في معالجة القضايا البيئية من موقع استراتيجي وفكري. وسلّط الملك الضّوء على خليج العقبة، ذلك الممر المائي الصغير على البحر الأحمر، الذي يحتضن شعباً مرجانية تُعد من بين الأكثر مقاومة في العالم لتغير المناخ. وقال الملك إن هذه المرونة الطبيعية تجعل من الخليج "مختبراً بيئياً فريداً" يمكن الاستفادة منه عالمياً لتطوير حلول علمية قابلة للتطبيق في مناطق أخرى مهددة بيئياً.
إطلاق مبادرات رائدة: التكنولوجيا في خدمة البيئة
في إطار التزام الأردن العملي، أعلن الملك عن إطلاق "مبادرات العقبة للاقتصاد الأزرق"، والتي تتضمن حزمة من المشاريع الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البحرية، من أبرزها:-
1- مشروع لإعادة تأهيل الشعب المرجانية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في تعاون علمي دولي.
2- تأسيس "المركز العالمي لدعم المحيطات"، كمؤسسة بحثية في العقبة تهدف إلى تطوير المعرفة ومراقبة صحة النظم البيئية البحرية.
3- تعزيز الشراكات الإقليمية والعالمية في مجال البحث العلمي والتعليم البيئي.
دعوة إلى التضامن الدولي
ودعا الملك في كلمته المجتمع الدولي إلى تمكين الدول النامية من بناء قدراتها لحماية محيطاتها وسواحلها من خلال تمويل عادل ونقل للتكنولوجيا. وحذر من أن التحديات البيئية لا تعرف الحدود، مضيفاً أن الإخفاق في حماية المحيطات يُهدد الاستقرار الاقتصادي والإنساني في مناطق واسعة من العالم.
دبلوماسية بيئية: لقاءات وشراكات
على هامش المؤتمر، عقد جلالة الملك سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من قادة العالم، وتمحورت اللقاءات حول سبل التعاون البيئي، إلى جانب ملفات إقليمية ذات أولوية مثل الأزمة في غزة ودعم التنمية في الشرق الأوسط.
الخلاصة: بيئة واحدة.. مسؤولية مشتركة
كلمة الملك عبدالله الثاني في (نيس) ومبادرات الأردن المعلنة، عكست تحولاً عميقاً في السياسة البيئية الأردنية، من دور المتلقي للمساعدات إلى صانع للحلول وشريك عالمي في قضايا البيئة والمناخ.
وفي وقت يشهد العالم تغيرات بيئية متسارعة، قدّم الأردن من خلال مشاركته في مؤتمر المحيطات نموذجاً لبلد صغير جغرافياً، لكنه كبير بأثره السياسي والبيئي، مما يجعل خليج العقبة نقطة مضيئة في خريطة الاستدامة العالمية.