إيران بين الضغوط الإسرائيلية وماراثون التفاوض
محمد حسن المومني
13-06-2025 01:50 AM
تعيش المنطقة لحظة بالغة الحساسية في ظل التصعيد المتنامي بين إيران ومحور المواجهة الذي تتصدره إسرائيل بدعم أمريكي. فالمواجهات الأخيرة التي تلقاها ما يعرف بـ"محور الممانعة" في كل من لبنان وسوريا وغزة، شكلت ضربة معنوية قوية للنظام الإيراني، الذي بدا وكأنه يفقد تدريجيا قدرة الردع الإقليمي التي طالما استخدمها كورقة ضغط في ملفه النووي. في المقابل، تنظر إسرائيل إلى هذا التراجع بوصفه فرصة استراتيجية لإضعاف المفاوض الإيراني ودفعه إلى الزاوية، إما عبر إخضاعه في مفاوضات مكثفة تحت التهديد المباشر، أو من خلال التمهيد لتوجيه ضربة عسكرية قد تغير قواعد اللعبة.
لكن هذا المشهد لا يعني أن إسرائيل قد تخلت عن هدفها المركزي في تدمير المشروع النووي الإيراني بشكل كامل. بل على العكس، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على مرحلتين متكاملتين: الأولى تتمثل في إنهاك إيران اقتصاديا وسياسيا عبر منظومة العقوبات الدولية المتصاعدة، ما يؤدي إلى إضعاف بنيتها الداخلية وتفكيك مصادر تمويل مشروعها النووي، أما الثانية، فهي التحضير للضربة العسكرية القاصمة في اللحظة المناسبة. هذه الاستعدادات لم تولد من رحم التصعيد الأخير، بل تعود إلى أكثر من عقد من الزمن، شهدت خلاله إسرائيل بناء قدرات استخبارية وتكنولوجية وتدريبية خصصتها لمثل هذا السيناريو الحرج.
في المقابل، يدرك النظام الإيراني أبعاد هذا التصعيد، ويبدو أنه يسعى لشراء الوقت عبر الدخول في ماراثون تفاوضي طويل، يقدم خلاله تنازلات شكلية لا تمس جوهر المشروع النووي، وخصوصا ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم. طهران تراهن على تآكل الإجماع الدولي، وعلى الانقسامات الغربية، كما تراهن على عامل الوقت لترميم ما يمكن ترميمه من موقعها الإقليمي. وفي الوقت الذي تخوض فيه إيران معركة عض الأصابع، تحاول تجنب الانزلاق إلى مواجهة مباشرة قد تكون كلفتها مدمرة، لكنها لا تبدو مستعدة للتخلي عن المشروع النووي الذي تعتبره الضامن الاستراتيجي لبقائها.
هذا التصعيد لا يقع في معزل عن السياق العربي، فالدول العربية، خصوصا الخليجية منها، تجد نفسها في قلب هذا المشهد. فنجاح إيران في الحفاظ على قدراتها النووية سيمثل تحولا نوعيا في موازين القوى الإقليمية، ويفتح الباب أمام سباق تسلح نووي في منطقة شديدة الحساسية. من جهة أخرى، فإن أي ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران سواء أكانت محدودة أو شاملة قد تؤدي إلى ردود فعل عبر أذرع طهران المنتشرة في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، ما يعرض الأمن القومي العربي لاختبارات قاسية. لهذا، فإن المواقف العربية تتراوح بين الحذر من التمدد الإيراني، والتوجس من تداعيات الخيار العسكري الإسرائيلي، في ظل غياب رؤية عربية موحدة وشاملة للتعامل مع الملف الإيراني ككل.
إننا أمام لحظة مفصلية؛ إسرائيل تسعى لتوظيف لحظة الضعف الإيراني لتحقيق مكاسب استراتيجية غير قابلة للتراجع، بينما تسعى إيران لتأجيل الحسم والتعامل مع المعركة بوصفها حرب استنزاف طويلة الأمد. في هذا السياق الملتبس، فإن الأسابيع المقبلة مرشحة لأن تكون حاسمة، ليس فقط في تحديد مستقبل المشروع النووي الإيراني، بل أيضا في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، وفرض معادلات أمنية جديدة سيتأثر بها العرب بشكل مباشر، سواء شاركوا في اللعبة أو بقوا على هامشها.