بداية ،وبالرغم من الوقع السيء على النفس لمجرد ذكر كلمة قناع ،الا ان هناك اقنعة مشروعة نرتديها يوميا ولا غضاضة في ذلك، فهناك قناع يرتدية الأب عند تعامله مع ابنائه يكون فيه مثاليا قدر الامكان ليكون قدوة لهم ،وقناع للعمل يبرمج نفسه فيه للقيام بما يتطلبه العمل من سلوكيات قد تتناقض مع قناعاته كأب، وهكذا دواليك من اقنعة يبدلها الشخص يوميا حسب ما يتطلبه دوره في الحياة وتفاصيلها، وهذا كله لايعني ان الانسان متناقص ويتبدل انما هي ضروريات الحياة وكثرة الادوار التي تناط بالشخص الواحد ليمارسها.
اما اذا ذهبنا لابعد من ذلك واصبح القناع ينحو منحى آخر في دورة الحياة، واصبح تعبيرا عن تبدل المبادئ والقيم حسب المواقف والمصالح وغدا سمة تميز حاملها، هنا تحل الكارثة على الشخص نفسه وعلى المجتمع واخلاقياته وتاتي مقولة: انما الامم الأخلاق ما بقيت فان همو ذهبت اخلاقهم ذهبوا, لتلخص وتصف هذه الحالة بدقه متناهية.
المتتبع للتاريخ وازدهار الامم( وكذلك تراجعها) يرى بسهولة ويسر انه ما كان تقدم اي امة الا بتمسك اصحابها بالمباديء والقيم والمثل السوية المستقاة من مرجعيتها ، وكذلك يرى ان تخلفها ماكان ليحدث الا بعد ان اصبحت هذه المنظومة مجرد اقنعة ديكورية ترتدى للتجمل فقط وفارغة من مضمونها، وكما قال عزت بيقوفتش : كل قوة بالعالم تبدأ بثبات اخلاقي وكل هزيمة تبدأ بإنهيار اخلاقي.
ان سقوط الاقنعة وتعريتها بالحقائق هو بداية اي تقدم وتطور، وهذا يتطلب ارادة صلبة تبداء من الجذور بتربية النشء على التمسك بالمرجعية المتفق عليها التي توجه المجتمع، وما تتضمنه من قيم العدالة والامانةوالتمسك بالحقيقة...و و و كما هي بغض النظر عن مرارتها في البدايات، ونتاج هذا الغرس والتربية هو الذي ستجنيه الامة لاحقا كحصاد يعجب زُراعة وتتربى عليه الاجيال القادمة.
اذكر انه وفي حمى الحرب الباردة وسباق التسلح بين امريكا والاتحاد السوفييتي وعندما كان الاتحاد السوفييتي سباقا بغزو الفضاء ،كانت ردة الفعل المباشرة من الرئيس الامريكي وقتها ايزنهاور الطلب من معاونيه اعادة النظر بمناهج الصفوف الست الاولى بالمدارس، فقد اعتبر ان ما قام به الاتحاد السوفييتي كشف الاقنعة ليس عن وكالة الفضاء الامريكية ولا عن المخابرات المركزية فحسب، بل كشف خلل بالجذور وليس بالقشور وذهب مباشرة لمعالجته دون مواربة.
نحن بحاجة الى ثورة بيضاء وجادة على الاقنعة المزيفة..