facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عندما يصمت العالم ويتحدث الملك القائد: القيم في مواجهة القوة


ميس القضاة
17-06-2025 06:17 PM

في عالمٍ تتآكل فيه مرجعيات العدالة، وتفقد السياسة ملامحها الأخلاقية، وقف جلالة الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الأوروبي لا بوصفه ممثلًا لدولة صغيرة، بل كصوت ضمير سياسي في زمن الارتباك العالمي. لم يكن الخطاب مجرد موقف عابر، بل كان مراجعة صريحة لأعطاب النظام الدولي، وتحذيرًا من تصدّع البنية الأخلاقية التي يفترض أن تقوم عليها العلاقات الدولية.

أكد الملك أن ما يجري ليس فقط مأساة إنسانية، بل فضيحة أخلاقية تعرّي التناقض الفجّ بين الخطاب والممارسة الدولية. وعندما تُغلف المجازر بالصمت، وتتآكل القيم خلف تبريرات المصالح، لا يعود العالم في أزمة سياسية فحسب، بل في حالة انهيار معنوي شامل.

لكن الملك لم يتحدث عن غزة فقط. بل قاد مراجعة عميقة لمفهوم الأمن والسلام في عصرٍ تحكمه القوة ويُغيّب فيه القانون. ذكّر أوروبا — التي عرفت الحروب ودفعت أثمانها — أن السلام الحقيقي لا يُبنى على الرعب، ولا تحرسه الجيوش، بل تحميه القيم المشتركة التي تتجذر في ضمير الشعوب وذاكرتها. قالها بوضوح: الأمن الدائم لا يصنعه السلاح، بل يصنعه الإيمان المشترك بالعدالة والكرامة الإنسانية.

وفي هذا السياق، لم تكن إشارة الملك إلى "الفجوة بين القول والفعل" مجرّد توصيف، بل نقدًا مباشرًا لنفاق دولي يتحدث عن حقوق الإنسان فيما يغضّ الطرف عن سحقها. القيم السامية، كما عبّر عنها، تصبح شعارات مستهلكة إن لم تُترجم إلى قرارات، وإن لم تُحمَ بالأفعال لا الكلمات.

وفي خضم هذا النقد، قدّم الملك أيضًا بديلًا صريحًا: الأردن كنموذج لدولة تقوم على القيم لا على المصالح العابرة. فقد أكد أن إيمان الأردن بالقيم المشتركة ليس وليد اللحظة، بل متجذر في تاريخه وتراثه، وهو ما شكّل مبادئ الدولة الأردنية القائمة على التسامح والاحترام المتبادل. ومن هذه الأرضية الأخلاقية، جاءت الإشارة إلى الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، لا باعتبارها امتيازًا سياسيًا، بل التزامًا تاريخيًا وأخلاقيًا لحماية الهوية الدينية والثقافية للمدينة، في وجه محاولات التهويد والتفريغ والطمس.

ثم انتقل الخطاب من توصيف الواقع إلى استخلاص دروسه الكبرى. فالحروب، كما قال الملك، ليست مجرد صراعات على الأراضي، بل هي اختبار لمنظومات القيم. هي صراع بين رؤى العالم، وبين من يسعى إلى فرض الهيمنة، ومن يدافع عن التعدد والعدالة. لذلك، فإن هذه المعارك ما هي إلا مرآة لما سيكون عليه شكل النظام الدولي في السنوات القادمة: إما أن يعود إلى قيمه، أو ينهار تحت ثقل نفاقه.

ومن خلال هذه الرؤية، يظهر الخطاب كوثيقة سياسية من الطراز الأول، لا فقط في محتواه الأخلاقي، بل في توقيته ودلالته. فقد جاء في لحظة تصعيد إقليمي خطير، وانقسام دولي حاد، وسط سباق على النفوذ والمعايير المزدوجة. ومع ذلك، اختار الملك ألا يصمت، لأن الصمت، كما أوضح، لا يقي من الأخطار، بل يفتح أبوابها على مصراعيها.
في زمنٍ امتلأ بالصمت الرسمي، تحدث الملك. لا فقط باسم الأردن، بل باسم المعنى. في زمنٍ صارت فيه القيم ترفًا، أعاد التذكير بأنها أصل الأمن، وأنها جوهر السلام. وفي عالمٍ يزداد توحشًا، كان الخطاب دعوة واضحة: إمّا أن نعود إلى المبادئ التي أنقذت العالم بعد الحرب، أو نترك الحاضر يُكرّر مآسيه، بلا رادع ولا ذاكرة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :