صراع الإرادات يخرج من الظل .. المواجهة المفتوحة ترسم ملامح المستقبل
محمد حسن المومني
18-06-2025 06:36 PM
بعد أكثر من عقد من التحضير، ها هي إسرائيل تطلق العنان لأكبر عملية عسكرية مباشرة ضد إيران منذ بدء التوتر بينهما، مستهدفة منشآت نووية وصاروخية حساسة في طهران ونطنز وأصفهان، مستخدمة طائرات مسيرة فائقة الدقة وعمليات استخباراتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي. في المقابل، إيران لم تتأخر في الرد، فبدأت بإطلاق رشقات يومية من الصواريخ والطائرات الانتحارية التي أصابت العمق الإسرائيلي، من تل أبيب إلى النقب.
ليست هذه مجرد جولة عابرة من التصعيد، بل تحول جذري في طبيعة الصراع. للمرة الأولى، ينهار حاجز الردع المتبادل، وتدخل إسرائيل وإيران في معركة مفتوحة قد تمتد لأسابيع، أو حتى لأشهر، ما لم تتدخل قوى دولية وإقليمية فاعلة لفرض تهدئة طويلة الأمد.
إسرائيل تدرك أنها وإن نجحت في توجيه ضربات مؤلمة، فإنها لم تتمكن بعد من تدمير البنية التحتية النووية لإيران بشكل كامل. فمواقع مثل "فوردو" المبنية تحت الأرض لا تزال عصية على القصف التقليدي. وفي المقابل، أثبتت إيران أن بإمكانها تهديد الداخل الإسرائيلي يوميا، رغم فارق التفوق التكنولوجي.
لكن هذه المواجهة، وإن بدت عسكرية، فهي في جوهرها سياسية بامتياز. كلا الطرفين يسعى لإعادة تشكيل قواعد الاشتباك في المنطقة. إسرائيل تريد أن تفرض سقفا أعلى من الضغط على إيران قبل أي عودة محتملة للمفاوضات. وإيران تريد أن تؤكد قدرتها على الردع الإقليمي، وترسل رسائل متعددة الاتجاهات: لإسرائيل، للغرب، وللشارع الإيراني المأزوم اقتصاديا.
اللافت أن هذه الجولة لم تنه شيئا، بل فتحت أبوابا جديدة للتصعيد. التهديد الإسرائيلي مستمر بتوسيع الضربات، وربما الانتقال إلى مرحلة تدمير شامل للقدرات الصاروخية الإيرانية. وإيران تلوح باستهداف مواقع استراتيجية في الإقليم إن لزم الأمر.
كل هذا يحدث وسط صمت دولي، وتردد أمريكي، في مقابل موقف أردني ثابت وحكيم. الأردن، رغم ضغط الجغرافيا وقربه من خطوط النار، تمسك بسيادته وحياده الإيجابي، ورفض أن يكون جزءا من حسابات التصعيد. لم يسمح للطائرات الإسرائيلية أو الصواريخ الإيرانية بعبور أجوائه، مؤكدا أن أمنه الوطني ليس مجالا للمساومة. هذا الموقف ليس فقط دفاعا عن سيادة الدولة، بل رسالة واضحة أن الأردن لا يستدرج إلى محاور أو مغامرات عسكرية.
وما هو مؤكد أن المنطقة دخلت لحظة جديدة، عنوانها الصراع المفتوح، وكلفتها قد تكون أفدح مما نتخيل. لكن الأردن يثبت مرة تلو الأخرى أنه قادر على حماية أمنه واستقراره، وتثبيت بوصلته وسط عواصف الإقليم، بينما يستمر اشتعال الجبهات من حوله، في مشهد يعيد رسم توازنات الشرق الأوسط بلغة النار والردع المتبادل.