حين سقطت معادلة الردع بين ايران واسرائيل
محمد حسن المومني
25-06-2025 09:50 PM
في شرق اوسط لا يكف عن التحول، لم تكن المواجهة الاخيرة بين ايران واسرائيل مجرد حلقة جديدة في سلسلة المناوشات المعتادة، بل كانت نقطة تحول في معادلة الردع والهيمنة، انتهت بتدخل امريكي صريح، وضع حدا لمشروع نووي، وهز طموحا اقليميا طالما استثمرت فيه طهران اكثر مما تحتمل.
اسرائيل بدأت الحرب، نعم. فتحت السماء الايرانية امام طائراتها بدقة لافتة، ونفذت ضربات مباشرة داخل العمق الايراني، طالت مواقع عسكرية ومنشآت تطوير، والحقا بايران اضرارا لم تعلن كلها بعد. الرد الايراني جاء متأخرا، لكنه حمل رسالة: السماء الاسرائيلية ايضا ليست مغلقة. صواريخ طهران وصلت، وضربت، واصابت، لكنها رغم ذلك لم تغير النتيجة.
ما حدث هو ان الضربات الاسرائيلية كانت خطوة اولى، تلتها الخطوة الاكبر: تدخل امريكي مباشر، لاول مرة منذ سنوات، ضد البرنامج النووي الايراني. العملية كانت سريعة ودقيقة، استهدفت المنشآت الاشد تحصينا، ونجحت في تدمير اجزاء اساسية من البنية التحتية للبرنامج، بما فيها مواقع التخصيب وخطوط الانتاج.
الرسالة كانت اوضح من ان تخطئها طهران. المشروع النووي لم يعد ورقة بيدها، بل صار هدفا مشروعا في اي لحظة. وما تراكم لعقود، يمكن ان يمحى في ساعات.
امام هذه الضربات، ايران وجدت نفسها في الزاوية. خيّرت بين الرد الشامل والانتحار الاستراتيجي، فاختارت الرد المحسوب، والقبول بالوساطة لوقف اطلاق النار. لم يكن القرار سهلا، لكنه كان حتميا. فالمشروع النووي، الذي شكل عمق العقيدة الدفاعية والهجومية لطهران، تلقى ضربته الاكبر، ليس بيد اسرائيل فحسب، بل بغطاء امريكي، اراد ان يعيد تشكيل موازين الردع من جديد.
اسرائيل، من جهتها، خرجت من المعركة بجملة ارباح. اختبرت قوتها في السماء الايرانية، واثبتت ان طهران قابلة للاختراق، ثم حصدت نتائج الضربة الامريكية، دون ان تتحمل وحدها الكلفة السياسية والعسكرية.
اما واشنطن، فقد عادت الى قلب اللعبة، ليس كوسيط، بل كلاعب رئيس، يملك القدرة على تغيير المسارات بقوة النيران، لا بالتصريحات.
لكن وسط كل هذا، يجب الاعتراف بان الكل خرج مصابا. ايران خرجت مدمرة المشروع النووي، ومخترقة السيادة، ومفجوعة بردعها. اسرائيل تلقت صواريخ في عمقها، واظهرت هشاشة غير مسبوقة في جبهتها الداخلية. اما امريكا، فقد بدأت تخوض المواجهة علنا، وستتحمل تبعات ذلك امام الداخل والخارج.
المعادلة الجديدة لا تقوم على النصر الكامل، بل على الحد من الخسارة. واللاعبون جميعا يدركون ان ما جرى ليس نهاية المعركة، بل بداية مرحلة اشد تعقيدا، سيتقرر فيها من يستطيع ان يراكم على ما كسب، ومن سيغرق في ما خسر.
في هذا الشرق، لا نصر دون كلفة، ولا هزيمة دون اثر، ولا استقرار بلا توازن دقيق، بين النار والصمت.