إيران بين نجاحات "الدولة" وإخفاقات "الثورة"!
أ.د أحمد بطَّاح
16-07-2025 12:18 PM
عندما قامت الثورة الإيرانية في عام 1979 ضد حكم الشاه السابق محمد رضا بهلوي كانت ثورة شعبية حقيقية شارك فيها ملايين الإيرانيين، وكانت تُعبّر عن توقهم إلى نظام سياسي جديد يُعبّر عن هويتهم ومصالحهم الحقيقية، وقد كان الحكام الجدد بزعامة "آية الله الخميني" يهدفون ليس فقط إلى بناء (دولة) إيران الجديدة، بل إلى تدشين (ثورة) إيران المدافعة عن "المستضعفين" في كافة الأقطار التي يتواجدون فيها.
وبناءً على العرض السابق فقد كان هناك دائماً ثمّة صراع بين (الدولة) و (الثورة) في إيران: أيهما أولى بالرعاية والاهتمام والمتابعة؟
وللإنصاف فقد حققت الثورة الإيرانية للبلاد عدداً من المُنجزات على صعيد الدولة، حيث أفرزت نظاماً سياسياً معبراً عن هوية الشعب الإيراني وشخصيته الحضارية، في مقابل نظام الشاه الذي كان يريد أن تكون إيران نسخة غربية، ومن الواضح أنّ هذا النظام السياسي، الذي حكم بعد الثورة، نظام مُركّب (المرشد الأعلى، رئيس الجمهورية، مجلس الخبراء، مجلس تشخيص مصلحة النظام، البرلمان...) ولكنه أثبت استقراره وتجذره في المجتمع الإيراني، وفضلاً عن ذلك فقد حقق النظام الإيراني بعد الثورة معدلات تنمية معقولة، كما توصل إلى قدرات تصنيعية مُلفتة تجلت في مجال الطاقة النووية، والأسلحة الصاروخية (الباليستية، والفرط صوتية)، كما نجح النظام في تأسيس علاقات قوية مع دول الخليج العربي وبالذات مع الإمارات العربية المتحدة وقطر. صحيح أن العلاقات الإيرانية السعودية كانت مشحونة على الدوام بسبب التنافس الإقليمي، ولكن العلاقات الإيرانية الخليجية كانت متوازنة في معظم الأحيان، وأما على الصعيد الدولي فقد أسس النظام في طهران علاقات استراتيجية وثيقة مع كل من روسيا (دولة عظمى عسكرياً)، ومع الصين (دولة عظمى اقتصادياً).
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أنّ العقوبات "القصوى" التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران أدت إلى عرقلة نموها الاقتصادي والاجتماعي بالدرجة التي كان يطمح لها النظام، وفي المحصلة النهائية، فإنّ إيران يمكن أن تفخر ببعض الإنجازات التي حققتها على صعيد (الدولة).
ولكن ما الذي حققته إيران على صعيد الثورة؟ لقد أعلنت الجمهورية الإيرانية ومنذ تأسيسها في عام 1979، أنها لن تتقوقع في وطنها بل سوف تتبنى قضايا "المظلومين" و"المستضعفين" في كافة الدول، الأمر الذي عنى عند الكثيرين مفهوم "تصدير الثورة" بكل ما قد يعنيه ذلك من خطر على الأنظمة السياسية في بعض الدول، ومن تقويض لاستقرارها ونموها.
ولتنفيذ استراتيجيتها في هذا الخصوص عمدت إيران إلى تبني عدد من الجماعات في الإقليم، (معظمها باستثناء حماس يأخذ بالعقيدة الشيعية) وتسليحها وتفعيل دورها الوطني والمجتمعي، حيث دعمت في هذا السياق حركة "حماس" الفلسطينية في قطاع غزة، و"حزب الله" في لبنان، و"الحشد الشعبي" والفصائل المرتبطة به في العراق، وجماعة "أنصار الله الحوثيين" في اليمن، والواقع أن هذه الجماعات أصبحت ذات قوة يحسب حسابها، والدليل على ذلك ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر، وما قام به "حزب الله" في إطار "حرب الإسناد" لحماس في القطاع، وما قامت به حركة "أنصار الله" من هجمات على إسرائيل ضدّ الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وميناء "إيلات" الإسرائيلي، ومطار "بن غوريون" في تل أبيب.
إنّ الحقيقة هي أنّ إيران نجحت في خلق هذه الجماعات وتقويتها بكل السبل الممكنة، وقد كانت إيران تعتَبر أنها بدعمها هذه الجماعات تُدافع عن نفسها من الخارج، وتعزز أمنها القومي من خلال قُوى مُقاوِمة مُنتظمة في محور واحد أطلقت عليه "محور المقاومة والممانعة".
والواقع أنّ "السابع من أكتوبر" كان الانعطافة المهمة في تدهور هذا المحور، فقد تلقت "حماس" ضربة موجعة من خلال الهجوم الإسرائيلي المُدمر على القطاع والمستمر حتى الآن. كما تلقى "حزب الله" (الذي كان يُعد الحليف أو "الذراع" الأقوى لإيران في المنطقة) عدة ضربات ثقيلة أدت إلى تراجعه إلى شمال الليطاني، والدولة اللبنانية الآن -وبضغط دولي كبير- بصدد "نزع سلاحه" وتسليمه للسلطات الرسمية انطلاقاً من مبدأ "حصرية السلاح بيد الدولة" المُتفق عليه عالمياً، وفيما يتعلق بجماعة "أنصار الله"، فقد خاضت مواجهات دامية مع الإسرائيليين والأميركيين ولكن لا يبدو أنها سوف تشكل رصيداً مهما لإيران على المدى البعيد، وأما فيما يتعلق "بالحشد الشعبي" وبقية الفصائل الموالية لإيران في العراق فيبدو أنها اضطرت إلى أن تكون تحت عباءة الدولة ورقابتها.
وفي الختام. فإنّ من الواضح أن إيران (الثورة) قد حققت نجاحات مهمة في البداية، ولكن هذه النجاحات ما لبثت أن تبددت ولعلّنا لا نبالغ إذا بدأنا نصنفها تحت بند "الإخفاقات" وذلك بالنظر إلى ما أنفقت عليها إيران من "مليارات" وتواضع ما كسبته في مقابل ذلك.
قد نستطيع القول في النهاية نعم نجحت (الدولة) في إيران ولكن أخفقت (الثورة).