في دستورية إنتخاب أعضاء المجالس المحلية
د. مهند صالح الطراونة
16-07-2025 02:03 PM
بشأن التعليق على فكرة دستورية إنتخاب " أعضاء المجالس المحلية "و التي أشارت إليها مقالة الرأي القانوني المنشورة في صحيفة عمون بتاريخ بتاريخ 5- 7-2025 م تحت عنوان " الانتخاب ليس ركنا في نظام الإدارة المحلية ..ولا يجوز الخلط " ، حيث جاء في معرض بيانها الإشارة إلى مدى اتفاق مسالة تعيين أعضاء المجالس المحلية مع مفهوم وجوهر الإدارة المحلية بشكل عام واللامركزية بشكل خاص، باعتبار أن نص المادة (121) من الدستور لم يحدد طريقة بعينها لإختيار أعضاء هذه المجالس تاركاً هذا الأمر إلى السلطة التقديرية للمشرع ، وأن المشرع الأردني تاره أخذ (بالإنتخاب ) وتاره زاوج بين الإنتخاب والتعين كما هو الحال( في أمانة عمان الكبرى) ، ومن ثم خلص الرأي بأن الإنتخاب وإن كان شرطاً مهماً في إختيار أعضاء المجالس البلدية إلا أنه لا يعتبر مع ذلك ركناً في نظام الإدارة المحلية .
ولمزيد من التفصيل بشأن المسألة الدستورية التي أشارت إليها المقالة نعرض بداية للنصوص الدستورية ذات الصلة ، حيث نصت المادة (120) من الدستور على أن: " التقسيمات الإدارية في المملكة الأردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها وأسماؤها ومنهاج إدارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والأشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك " ، كما تنص المادة (121) من الدستور على أن : " الشؤون البلدية والمجالس المحلية تديرها مجالس بلدية أو محلية وفاقاً لقوانين خاصة " ، كما تنص المادة (6/ 1 ) من الدستور على أن : " الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين " .
ولما كان الاصل في فلسفة تفسير النصوص الدستورية انها تفسر بافتراض تكاملها باعتبار ان كلا منها لا ينعزل عن غيره ، وإنما تجمعها تلك الوحدة العضوية التي تستخلص منها مراميها ، ويتعين بالتالي التوفيق بينها ، بما يزيل شبهة تعارضها ويكفل إيصال معانيها وتضاممها ، وكان موضوع انتخاب أعضاء المجالس المحلية مناط الحديث ، إنما يتحدد على ضوء الحقوق السياسية التي يتمتع فيها الفرد في الدولة ، ويتحدد على ضوء اتصال هذه الحقوق بمبدأ تكافوء الفرص ،وبإعمال مبدأ المساواة أمام القانون ، ودون إخلال بالمقومات الاساسية للمجتمع الذي تعمل هذه المجالس في نطاقها ، ويتحدد كذلك بالنظر للأساس الدستوري لإنشاء الوحدات الإدارية التي تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي والإداري عن الحكومة المركزية ، متى كان ذلك فإن أحكام المواد (5) و(120) و(121) من الدستور، يتعين النظر إليها في مجموعها باعتبارها وحدة يقتضيها البت إبداء وجهة النظر الدستورية في مسألة إنتخاب أعضاء المجالس المحلية .
وحيث أن إعمال مقتضى القاعدة الدستورية – فيما تقدم من نصوص دستورية - يقتضي إستظهار إرادة المشرع الدستوري كشفا لهذه الإرادة ، فإنه وبالرجوع إلى مؤدى نص المادة (120) من الدستور وجد أنه يتضمن الأساس الدستوري لكل ما يتعلق بإنشاء الوحدات والأجهزة والسلطات المركزية التي تتمتع بالشخصية الاعتبارية من حيث تقسيماتها ومباشرتها لمهام عملها وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها وأسمائها ومنهاج إدارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم ، وهو ما إشترط معه المشرع الدستوري تنظيم مثل هذه المسائل بأنظمة مستقلة تصدر عن مجلس الوزراء بموافقة الملك وإنشاؤها أو تنظيميها ، وأن أشتراط تنظيم هذه المسائل بنظام وليس بقانون يأتي في سياق إعتبار تلك التقسمات جامدة بطبيعتها ، وفي المقابل ان عبارة "... المجالس المحلية "الواردة في نص المادة (121) من الدستور كان للقرار التفسيري رقم (1) لسنة 2015 الصادر عن المحكمة الدستورية موقف واضح حيال تفسيرة حيث نص القرار على أن: " تجد المحكمة أن هذه المادة الدستورية تعد الاساس الدستوري لإنشاء وحدات إدارية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري عن الحكومة المركزية ،والتي يكون الانتخاب عنصرا من عناصر تشكيل مجالس إدارتها ، وهذا مادفع المشرع الدستوري إلى إشتراط أن يتم إنشاؤها بقانون ، وبالتالي تشكل هذه المجالس المحلية نظاما إدارياً لا مركظياً في الدولة قوامه توزيع الوظائف والمهام والوظائف العامة في الدولة بين حكومة مركزية في العاصمة وهيئات إقليمية تتمتع بالشخصية المعنوية ويكون لها الإستقلال تالمالي والإداري عن الحكومة المركزية ، ومثالها البلديات التي انشئت بموجب قانون خاص بالشؤون البلدية ينص على إنشاء مجالس بلدية بلدية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري ويدخل الانتخاب جزءا من تشكيل مجالس إدارتها ."
ويستفاد مما سبق أن تفسير المحكمة الدستورية لعبارة " المجالس المحلية " كما وردت في نص المادة (121) من الدستور قد جاءت عامة ومطلقة لتشمل بذلك جميع المجالس ، وقد إتجهت إرادة المشرع فيها إلى منح هذه الوحدات أو المجالس الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ويكون عنصر الانتخاب جزءا من تشكيلها ،مادامت هذه المجالس وهذه الوحدات تخضع لرقابة الإدارة المركزية ضمن إطار الوصاية الإدارية ، الأمر الذي يقدح بالراي الذي يفضي إلى أن الإنتخاب ليس أركان تشكيل هذه المجالس .
بقي ان اقول ان إستصحاب تجربة المشرع في المزاوجة بين نظامي الانتخاب والتعيين بالنسبة لاعضاء مجلس أمانة عمان الكبرى له مايبرره من الناحيه الدستورية والموضوعيه بالنسبة للعاصمة لكنها حالة لايجوز القياس عليها بالنسبة لبقية المجالس الاخرى ، بحسبان ان العاصمة واجهة للدولة تضم وزارات الدولة وهيئاتها والسفارات والقنصليات الأجنبية علاوة أن العديد من المرافق التي توفرها العاصمة غير قاصرة على القاطنين بل تنداح لتشمل بخدماتها جميع المواطنين والمقيمين أيا كانت المناطق التي يقيمون بها داخل اقليم الدولة ، وما يستلزمه ذلك من تدابير وتراتيب استثنائية ، لإإن مؤدى ذلك كله أن القواعد التييقوم عليه هذه التنظيم الخاص لأمانة عمان الكبرى مرتبطة بأغراضها ارتباطاً غير منتحل إليها مؤدية إليها ،مُفضية لها ، ومن ثك جاء ذلك متوافقا مع أحكام الدستور .
Tarawneh.mohannad@yahoo.com