ممر داوود المزعوم: حلم التوسع الإسرائيلي بين الواقع والتحديات الميدانية
عبدالله فارس العلاونة
22-07-2025 08:42 AM
تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي الدفع بمشروع استراتيجي قديم جديد يُعرف بمسمى "ممر داوود"، وهو ممر مزعوم يمتد - وفق الرؤية الصهيونية - من الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى نهر الفرات، مرورًا بجنوب سوريا وشمالها الشرقي، وذلك بهدف تحقيق حلم التوسع الجغرافي والسيطرة الاقتصادية على الشرق الأوسط.
ما هو ممر داوود؟
يعتمد هذا المخطط على تصورات توراتية تزعم أن النبي داوود عليه السلام هو المؤسس الأول لما تسميه إسرائيل "مملكة إسرائيل الكبرى"، التي تمتد من النيل إلى الفرات. ومن هنا جاء مسمى "ممر داوود" كرمز للطريق البري الاستراتيجي الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه، والذي يربطها جغرافيًا بالعراق وصولًا إلى منابع الطاقة شمال شرق سوريا.
المناطق المستهدفة ضمن المخطط الإسرائيلي
لتنفيذ هذا المشروع، يتطلب من إسرائيل السيطرة الكاملة على خمس مناطق رئيسية جنوب سوريا، وهي:
1. هضبة الجولان المحتلة كنقطة انطلاق.
2. جبل الشيخ لما يتمتع به من أهمية استراتيجية عسكرية.
3. القنيطرة كممر عبور رئيسي نحو الداخل السوري.
4. درعا والسويداء لفتح الطريق نحو الجنوب الشرقي لسوريا.
5. منطقة التنف الواقعة على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، التي تسيطر عليها حاليًا القوات الأمريكية.
وبعد تأمين هذه المناطق، يصبح الطريق مفتوحًا أمام إسرائيل للتوجه شرقًا حتى الحدود العراقية، ومن ثم شمالًا باتجاه مناطق سيطرة قوات "قسد" المدعومة أمريكيًا في شمال شرق سوريا، مع إمكانية التوسع لاحقًا نحو إقليم كردستان العراق.
البعد الاقتصادي للمشروع
لا يقتصر هذا المشروع على أهداف توسعية عسكرية فحسب، بل يمتد إلى الأبعاد الاقتصادية، وهو ما ظهر جليًا في إطلاق مسمى "خط داوود" على مشروع الخط القطري للغاز، الذي تم طرحه عام 2009، لمد خط غاز من قطر مرورًا بالسعودية والأردن وسوريا، وصولًا إلى تركيا وأوروبا.
وبالرغم من تعطل هذا المشروع آنذاك بضغوط روسية على النظام السوري، نظرًا لمخاوف موسكو من فقدان هيمنتها على سوق الغاز الأوروبي، فقد عادت هذه المبادرة مؤخرًا إلى الواجهة مع تزايد الحديث عن رفع تدريجي للعقوبات على سوريا، ما دفع دمشق للترحيب بإحياء هذا المشروع كفرصة اقتصادية واعدة.
إسرائيل ترى في هذا الخط فرصة استراتيجية لتأمين الغاز السوري والسيطرة عليه، خاصة مع المخطط القديم-الجديد لتفكيك سوريا إلى دويلات طائفية وعرقية، وفق خطة الكاتب الصهيوني عوديد ينون التي طرحها عام 1982، والتي دعت إلى تقسيم الدول العربية إلى كيانات أصغر، ما يسهل على إسرائيل التمدد والهيمنة عليها سياسيًا واقتصاديًا.
الواقع الميداني: إلى أين وصل المشروع؟
على أرض الواقع، بدأت إسرائيل بتنفيذ أجزاء من هذا المشروع من خلال:
• إلغاء عملي لاتفاقية فك الاشتباك مع سوريا الموقعة عام 1974.
• تكثيف الغارات الجوية على جنوب سوريا، خاصة درعا والسويداء.
• احتلال مواقع استراتيجية مثل جبل الشيخ والقنيطرة.
• محاولة تحريض مكون الدروز في السويداء على الانفصال عن الدولة السورية.
لكن ما لم يكن في حسبان المخطط الإسرائيلي هو دخول العشائر السورية على خط المواجهة، حيث لعبت هذه القبائل دورًا محوريًا في التصدي للمشروع، خاصة مع رفضهم الانفصال وتمسكهم بوحدة سوريا، ما أدى إلى مواجهة مباشرة بين القبائل والقوات المدعومة من إسرائيل، الأمر الذي عطّل تقدم المخطط وأجبر إسرائيل على إعادة حساباتها، إذ أن العشائر تشكل ما يقارب 71% من النسيج الاجتماعي السوري.
دور شمعون بيريز وخطة الشرق الأوسط الجديد
لم يكن المشروع الإسرائيلي وليد اللحظة، بل تعود جذوره إلى كتاب "الشرق الأوسط الجديد" الذي نشره رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز عام 1993، حيث دعا فيه إلى تحويل إسرائيل إلى المركز الاقتصادي والتجاري الأول في المنطقة، وربطها بجميع الدول العربية عبر مشاريع بنية تحتية اقتصادية وتجارية، مع تجاهل التاريخ والتركيز على الحاضر والمستقبل، وفق وصفه.
بيريز دعا صراحة إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على أساس عرقي وطائفي، وهو ما يتقاطع مع رؤية عوديد ينون، ليصب كلا المخططين في خدمة تحقيق حلم ممر داوود.
خاتمة: هل يُكتب للمخطط النجاح؟
رغم تقدم إسرائيل في تنفيذ أجزاء من مخطط ممر داوود المزعوم، إلا أن التعقيدات الميدانية، وفي مقدمتها صمود العشائر السورية، وحالة الرفض الشعبي للتقسيم، تشكل عقبة حقيقية أمام استكمال هذا المشروع.
اليوم، يمكن القول إن وحدة الشعب السوري وتماسك نسيجه الاجتماعي يمثلان خط الدفاع الأول في مواجهة هذا المشروع الاستعماري التوسعي. فالحفاظ على الأرض يبدأ من التلاحم الوطني، وإدراك الشعوب أن التقسيم ليس سوى أداة لتمكين الاحتلال وتعزيز نفوذه الاقتصادي والعسكري في المنطقة.
يبقى التساؤل: هل تستمر الشعوب في الدفاع عن أوطانها، أم تنجح المخططات الصهيونية في تفتيت المنطقة من جديد؟ الجواب سيكتبه التاريخ، كما كتب أن الشعوب حين تتماسك تنتصر.
يتضح أن ما يسمى بممر داوود ليس مجرد مشروع جغرافي أو عسكري عابر، بل هو مخطط استراتيجي يعكس الطموح التوسعي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، الرامي إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وفق رؤى توراتية ومصالح اقتصادية بحتة. ورغم تقدم إسرائيل في تنفيذ أجزاء من هذا المخطط، فإن حقيقة المشهد الميداني تبرهن أن الشعوب لا تسقط بسهولة، وأن وحدة السوريين وتمسكهم بأرضهم يشكلان اليوم السد المنيع أمام هذا المشروع الاستعماري. فكما أسقطت الشعوب العربية في مراحل سابقة مشاريع التقسيم والهيمنة، يبقى الأمل معقوداً على وعي السوريين وتمسكهم بوطنهم، ليؤكدوا للعالم أن الأوطان لا تباع، وأن حلم إسرائيل التوسعي سيظل وهماً يصطدم بثبات الشعوب وإرادتها الحرة.