عذراً، الدولة الأردنية لا تجري مقابلات قبول مواقف لدى أحد
محمد الحباشنة
26-07-2025 07:23 PM
يبدو أن بعض الأصوات في الإقليم، ومن يدور في فلكها من هواة الزعيق والتحريض، ما زالت عاجزة عن فهم المعادلة الأردنية، لا لأن المعادلة معقدة، بل لأن البصائر ضامرة، والمقاصد ملوثة، والنيات معلولة بالشك والعداء..
يتوهّم هؤلاء أن الأردن بحاجة إلى شهادة منهم، أو صك براءة يوقعونه كلما اتخذ موقفًا، أو قدم قراءة، أو سار في طريقه الذي اختاره بنفسه، لا بالوصاية من أحد..
فما إن يتحرك الأردن خطوة، بحكمة متزنة، أو يسلك مسارًا يمليه عليه عقل الدولة، حتى تنهال الأسئلة التافهة، والتكهنات المشبوهة، والمزايدات الفارغة، وكأننا مطالبون بتقديم بيان تبرير مرفق بالحلفان في كل مرة نفتح فيها بابًا أو نغلق فيه آخرًا..
ولأننا في الأردن لا نحترف الصراخ، بل نجيد الإنصات للغة العقل، نذكّر بلا استئذان كل من ضل عن جادة الفهم، أن هذا البلد لم يكن يومًا تابعًا، ولا رقمًا هامشيًا في لوحة الجغرافيا، ولا عابرًا في قرار عربي أو إقليمي، بل هو صانع موقعه، ومالك إرادته، وحر في خياراته..
أقولها بوضوح: الأردن لا يُحاسب، ولا يُمتحن، ولا يُستدرج لزواريب التبرير، من شاء أن يفهم، فليقرأ التاريخ، ومن شاء أن يزايد، فليبحث عن مسرح آخر..
لقد علّم هذا البلد كل من حوله كيف يكون الاتزان موقفًا لا حيادًا، وكيف تكون السيادة عقلًا لا عاطفة، بمواقف الاردن وملكنا المفدى عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي لا ينطق إلا بضمير أمته، ولا يتحرك إلا بقوة موروث الحكمة والإنسانية..
هذا الأردن بلدي، الذي لا يصنع قراراته ليرضي صفقات السوشال كوميديا، ولا يقود الوطن بمنطق الغوغاء، بل بمنطق الدولة العميقة التي تدرك ما تقول، وتعرف أيضًا متى يرتفع الصوت والفعل..
أيها المزايدون من الخارج، وأتباع النقر والنبش والتهييج، هل نذكّركم أين كان وطنكم حين كان الأردن يفتح صدره للملهوفين؟ هل نذكّركم من الذي لم يبدّل بوصلته يوم تغيرت العواصم؟ هل نذكّركم من الذي ظل صامدًا رغم ضيق اليد، ثابتًا رغم تغيّر امتزاجات آراء الدول، متماسكًا يوم انهارت وتهاوت جدران الآخرين ؟
نحن الأردن، منبت الشرفاء، ومنبع النبل، ومهوى قلوب العرب يوم تفرّقوا، لا نراهن على شرذمات، ولا نؤمن بشتائم تُغني عن الحقائق، ولا نحتاج لمن يذكّرنا بمن نحن..
وإلى أولئك الذين في الداخل يلهثون وراء كل نقد هزيل، يظنون أن مزاجهم هو معيار الوطنية، نقول:
كفى هدرًا للجهد، وكفى ضياعًا للطاقة، الأردن ليس تابعًا لأمزجتكم ولا مُدينًا لأهوائكم، إن أردتم وطنًا يلبي رغباتكم الفورية، اذهبوا وابحثوا في أي مكان آخر، فهذا الأردن عريق، لا يُدار على مقاس اللاواقعية.
من حقكم أن تسألوا، أن تحاوروا، لكن ليس من حق أحد أن يرفع عصا الاتهام في وجه بلد كل ما فيه شريف: قيادته، شعبه، جيشه، مواقفه..
وبالفم الملآن أقولها: الأردن لا يعتذر عن قراراته كافة، ولا يبرر مواقفه، ولا ينزل إلى مستوى الرد على كل من فقد بوصلة الفهم، لأن هذا الوطن حين يتكلم يصمت الصراخ، وتسقط الأقنعة، ويُرفع الرأس عاليًا..
هنا الأردن يا تائهين العقل، يا مشرّدي المواقف، الأردن دولة تُصاغ بالعقل، وتُحكم بالحكمة، وتُحترم لأنها لا ولم ولن تركع يومًا.