facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الهوية الأردنية في زمن التشكيك: كيف نحمي النسيج الوطني؟


ميس القضاة
26-07-2025 11:36 PM

في زمنٍ تتكاثر فيه الشائعات وتشتد فيه وطأة التشكيك، لم تعد الهوية الوطنية مجرّد إرث تُحتفى به، بل باتت ساحة مواجهة حقيقية تتطلب وعيًا عميقًا وفعلًا مسؤولًا. فوسط الفوضى الرقمية التي تنتج خطابًا شعبويًا متشنجًا، ووسط محاولات مستمرة لتفريغ الدولة من معناها، تظهر الحاجة الملحّة إلى التمسك بالرواية الأردنية كما وُلدت: رواية عقلانية، معتدلة، تستند إلى تاريخ نقيّ، وإلى عقد اجتماعي تأسس على الثقة والانتماء.

لقد قامت الدولة الأردنية على شرعيات ثلاث تتداخل لتشكل بنيتها العميقة: الشرعية الدينية التي يمثلها النسب الهاشمي الشريف، والتي تضع الأردن في موقع أخلاقي يحمّله مسؤولية تجسيد الإسلام المعتدل الرافض للغلو والتكفير؛ والشرعية الثورية التي انبثقت من مشروع الثورة العربية الكبرى بوصفه مشروع حرية واستقلال، لا تمرّدًا على الدين أو التاريخ؛ والشرعية السياسية التي كرّسها دستور 1952، مؤكّدًا أن الإسلام دين الدولة وأن الأمة مصدر السلطات. هذه الشرعيات لم تكن صيغًا نظرية، بل كانت الأساس الذي بُنيت عليه دولة موضوعية، لا تقوم على الشكل المؤسساتي فحسب، بل على تفاعل اجتماعي حقيقي، واعتراف متبادل بين القيادة والشعب.

في ضوء هذا الفهم، لا يمكن مواجهة الفكر المتطرف أو خطاب الإنكار إلا بمشروع فكري وطني متماسك. فالإسلام الذي يمثل هوية الدولة لا يمكن أن يُترك ساحة للمتطرفين أو المتاجرين بالدين، بل يجب أن يُقدَّم بوصفه مرجعية قيمية تسمو بالإنسان وتحفظ كرامته. أما البعد القومي، فهو امتداد طبيعي للوعي الأردني، الذي لم يكن يومًا منغلقًا على ذاته، بل تفاعل مع قضايا أمته، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية وجود وهوية.

ومع تصاعد خطاب الكراهية والتناحر على مواقع التواصل، لم تعد المعركة مع التطرف أمنية فقط، بل فكرية بالدرجة الأولى. فالمجتمع الذي يُترك دون رواية وطنية واضحة، سيجد نفسه سريعًا ضحية للشك، والارتياب، والتطرف في التأويل والانفعال. وهنا يبرز دور الحوار كآلية أساسية للتوافق، لا بوصفه مجرد وسيلة لحل الخلافات، بل كفلسفة تُبنى عليها الحياة السياسية والاجتماعية، تقوم على التنازلات الواعية، والقدرة على الجمع بين الإرادة والقناعة.

احترام التنوع، بمختلف أبعاده الدينية والثقافية والعرقية، لا يقل أهمية في هذا السياق، إذ إن قوة الدولة لا تكمن في تماثل أبنائها، بل في قدرتها على توحيدهم ضمن مشروع وطني واحد، يشعر فيه الجميع أنهم جزء من وطن يحميهم ويحتويهم. ولهذا فإن المقيمين والأقليات ليسوا أطرافًا هامشية، بل شركاء حقيقيون في بناء الدولة وتعزيز استقرارها.

وفي خضم هذه التحديات، تصبح معركة الرواية الوطنية أكثر إلحاحًا. فخطاب التشكيك لم يعد يطعن في السياسات فقط، بل بات يستهدف تاريخ الدولة وشرعيتها وقيادتها. ومن هنا، فإن الالتفاف حول القيادة الهاشمية لا يُفهم كاصطفاف سياسي، بل كترجمة عملية للإيمان بالعقد الذي أسس الدولة، وبالشرعية التي حافظت على وحدتها في زمن الانقسامات.

محاربة التطرف لا تتحقق بالصوت العالي، بل بتثبيت البدائل. والتصدي للشائعات لا يكون بالحظر والردود المتأخرة، بل ببناء ثقة عميقة بين الدولة ومواطنيها، تُترجم إلى رواية وطنية تُدرّس، وتُحكى، وتُعاش. إن الأردن، كما أرادته قيادته الحكيمة وكما صنعه شعبه، ليس مجرد وطن، بل فكرة، وهوية، ومشروع لا يزال قادرًا على الصمود، لأنه تأسس على شرعية، وعلى إيمان، وعلى حوار. وهذه الثلاثية وحدها هي الكفيلة بأن تجعل المستقبل أكثر أمنًا، وأكثر أردنية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :