نتنياهو و"إسرائيل الكبرى": جنون الزعامة في وحل غزة
د. م. محمد الدباس
13-08-2025 01:55 PM
من غرق في وحل غزة لن يعبر حدود الأوهام، ومن عجز عن هزيمة مقاتلين محاصَرين، لن يجرؤ على مواجهة جيوش نظامية.
بتصريح بائس وابتسامة باردة عبر القناة العبرية الإسرائيلية، خرج نتنياهو ليعلن أنه يعيش "مهمة تاريخية وروحية" مرتبطة بما يسميه "رؤية إسرائيل الكبرى". لم يتردد في تبني شعار توسعي بائد، وراح يعلن على الهواء مباشرة خريطة أوهامه. لكنه تناسى أن هذه الخريطة اليوم لا تتعدى كونها ورقة جوفاء في مستنقع غزة.
"إسرائيل الكبرى" ليست فكرة جديدة، بل كابوس استعماري وُلد بعد عام 1967، يقوم على ابتلاع أراضي الغير وطمس وجود شعوب بأكملها. واليوم ينعش نتنياهو هذا الكابوس في لحظة يأس سياسي، محاولاً صرف الأنظار عن هزيمته المدوية أمام شعب محاصر منذ سنوات، لكنه أثبت أن إرادته أصلب من كافة أسلحته.
غزة التي حسبها نتنياهو لقمة سائغة، تحولت إلى شرك قاتل. جيشه يتخبط في شوارعها، قادته العسكريون يلهثون خلف أهداف مستحيلة، واقتصاده ينزف مليارات يومياً في حرب بلا نهاية. أما صورته الدولية فانهارت تحت سيل الاتهامات بجرائم حرب. وإن كان عاجزاً عن حسم معركة أمام مقاتلي حركة محاصَرة منذ سنوات، فلن تحميه خريطة "إسرائيل الكبرى" من حقيقة واحدة أن غزة الحالية قد كسرت هيبة جيشه في أطول حروب اسرائيل، وأذكره بمعركة الكرامة الأردنية ومدفعية "عيرا ويرقا" يوم نسفت مشروعه التوسعي، فالدم والحديد لا يصنعان دولة ولا يرسمان حدوداً، بل يصنعان مزيداً من الأعداء ونهايات مأساوية.
خلاصة القول، فإن تصريحات نتنياهو الأخيرة لا يمكن أن تُترك دون رد سياسي حازم. فإحياء خطاب "إسرائيل الكبرى" في هذا التوقيت هو تحدٍّ سافر للقانون الدولي وتهديد مباشر لأمن المنطقة. وعلى الأحزاب والقوى السياسية العربية، أن تتحرك لإدانة هذه التصريحات بوضوح، وفضح خلفيتها التوسعية أمام الرأي العام العالمي. فالصمت أو الاكتفاء بالتعليقات الدبلوماسية (الرخوة) يمنح نتنياهو غطاءً للاستمرار في مشروعه، بينما المطلوب هو موقف موحد يقطع الطريق على أي محاولة لتطبيع هذه الأفكار أو تمريرها في الخطاب السياسي الإسرائيلي.