تصريحات نتنياهو عما يسميه "إسرائيل الكبرى" ليست إلا أوهام مجنون سلّط الله عليه الغرور، يتخيل أنه قادر على ابتلاع أرض العرب وإعادة رسم خرائط المنطقة وكأنها لعبة بين يديه. لكن الحقيقة التي يعرفها هو قبل غيره أن الأردن لم يكن يومًا لقمة سائغة، وأن ترابه كان وما زال لعنة على كل غازٍ وطامع. هذه الأرض التي ارتوت بدماء أبنائها ستظل عصيّة على كل مشروع توسعي، وسيبقى الأردنيون كما عرفهم التاريخ: إذا اقترب الخطر، تحولوا إلى جدار من نار يحرق كل من يحاول المساس بسيادتهم.
منذ القدس 1948 ومعركة الكرامة الخالدة، أثبت الأردن أن السيادة لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الكرامة لا تُشترى بل تُحمى بالدم. في تلك اللحظات الحاسمة، كان الجندي الأردني يقف شامخًا، إصبعه على مسمار أمان القنبلة اليدوية، مستعدًا للتضحية بنفسه إذا حاول العدو الغدر، بلا خوف ولا تردد، لأن عقيدته أن الأرض والعرض والمقدسات خطوط حمراء لا تقبل النقاش أو المساومة.
سر قوة الأردن لم يكن في موقعه الجغرافي أو جيشه فحسب، بل في تماسك جبهته الداخلية، حيث يقف الشعب خلف قيادته الهاشمية صفًا واحدًا، لا تفرقهم خلافات ولا تهزهم أزمات. هذا التلاحم هو السلاح الذي حمى الأردن في الماضي ويحميه اليوم، وهو الذي جعل من عبارة "الأردن خط أحمر" حقيقة راسخة لا مجرد شعار. فحين تتوحد إرادة القيادة والشعب، تتحطم أمامها كل المؤامرات، وتفشل كل محاولات اختراق الموقف الوطني.
الموقف الأردني، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، ثابت لا يتزحزح، لا أمن ولا استقرار ولا سلام في المنطقة إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذا الموقف ليس دبلوماسية شكلية، بل عهد تاريخي وأمانة تتوارثها الأجيال، تتجسد في استعداد الأردنيين للدفاع عن وطنهم وعن فلسطين في الوقت نفسه، لأنهم يرون أن أمن الأردن وفلسطين قضية واحدة لا تنفصل.
إلى نتنياهو نقولها بوضوح: الأردن خط أحمر، وشعبه وقيادته جبهة واحدة لا تخترق. جربتمونا في الكرامة، وعرفتم أن الأردني إذا غضب، هزّ الأرض تحت أقدام المعتدين. هذه الأرض كانت وستظل لعنة على كل طامع، ومقبرة لكل غازٍ يحلم بطمس هويتها أو المساس بسيادتها.
بوصلتنا فلسطين، وكرامتنا أغلى من أرواحنا، وجبهتنا الداخلية هي حصننا الأول. سيبقى الأردن، بجيشه وشعبه وقيادته، حصن الأمة المنيع، جيلًا بعد جيل، حتى يعود الحق إلى أصحابه، ويسقط وهم "إسرائيل الكبرى" تحت أقدام هذا الشعب الذي لا يعرف الانكسار.