روسيا إذْ تستعيد مكانتها كدولة عظمى!
أ.د أحمد بطَّاح
24-08-2025 06:46 PM
لعلّ مما لا جدال فيه أن دولة روسيا الاتحادية دولة عظمى عسكرياً إذ تمتلك أكثر من (6,000) رأس نووي استراتيجي ناهيك عن الأسلحة المتطورة الأخرى، ولكن مما لا جدال فيه أيضاً أنها دولة متوسطة المستوى من حيث القوة الاقتصادية إذْ تشغل الرقم (13) من بين أقوى اقتصاديات العالم، وعلى هذا الأساس فهي إحدى الدول العشرين الأقوى اقتصادياً G20.
ولعلّ الأمر الجدير بالتسجيل هنا أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومنذ أن تسلم زمام السلطة في عام 2000 أخذ يحاول استعادة مكانة بلاده التي ورثت الاتحاد السوفيتي الذي اعتبر "بوتين" سقوطه في عام 1991 "أعظم حدث جيوسياسي في القرن العشرين"، والمُلاحظ أنه حقق نجاحات عديدة على هذا الطريق وقد يكون من أهمها ما يلي:
أولاً: تصديه المُوفّق للغرب بزعامة الولايات المتحدة من خلال الحرب الروسية الأوكرانية، فقد نجح الجيش الروسي في احتلال حوالي (20%) من الأراضي الأوكرانية فضلاً عن تكريس وجوده في شبه جزيرة القرم (حاملة الطائرات غير قابلة للغرق) التي سيطر عليها منذ عام 2014، والواقع أن الغرب بذل كل ما لديه على صعيد الإمكانات العسكرية، والعقوبات الاقتصادية لتركيع روسيا، وهزيمتها استراتيجياً من خلال دعمه لأوكرانيا ولكنه لم يستطع، وها هو ترامب يقبل بأهم الشروط الروسية التي يضعها بوتين لإنهاء الحرب وأهمها عدم ضم أوكرانيا لحلف "الناتو" وقبول ضم روسيا للمقاطعات الأربع في حوض الدونباس الأوكراني الغني.
ثانياً: التمدّد في إفريقياً حيث تكاد روسيا ترث فرنسا في الدول الإفريقية، وبالذات في غرب إفريقيا (مالي، النيجر، بوركينا فاسو...). لقد عانت الدول الإفريقية ما عانته من الاستعمار الفرنسي، ويبدو أنها وجدت أنّ البديل الأفضل لها هو روسيا، ومن الجدير بالذكر في هذا السياق الإشارة إلى أنّ القارة الإفريقية (55 دولة) قارّة واعدة وبالذات من حيث الإمكانيات الاقتصادية.
ثالثاً: تأسيس علاقة استراتيجية وثيقة مع الصين (ثاني أقوى اقتصاد في العالم)، والواقع أن هذه العلاقة الاستراتيجية بين قوة عظمى عسكرياً (روسيا)، وقوة عظمى اقتصادياً (الصين) يُحدث توازناً ولو جزئياً في عالم اختلّت موازينه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحالف الإستراتيجي بين روسيا والصين ليس ثنائياً فقط، بل يمتد عبر منظمة بريكس (Brics) الاقتصادية الهامة التي تضم أكثر من (40%) من سكان العالم، وتُعَد من أهم التكتلات الاقتصادية الواعدة مستقبلاً.
رابعاً: تثبيت النفوذ الروسي في المياه الدافئة حيث استطاعت روسيا -وحتى بعد سقوط حليفها السوري بشار الأسد- الحفاظ على علاقة "معقولة" مع النظام الانتقالي الجديد في دمشق، ويتّضح ذلك من خلال الإبقاء على قاعدتيها العسكريتين: البحرية في "طرطوس"، والجوية في "حميميم"، وقد لا نبالغ إذا قلنا بأنّ روسيا سوف تتمكن من صياغة علاقة إيجابية مع "سوريا الجديدة"، وذلك بحكم علاقتها "التاريخية" مع سوريا التي تشمل مجالات عديدة ومختلفة، وبحكم أن سوريا "مضطرة" لهذه العلاقة مع روسيا لموازنة نفوذ الغرب الذي بدأ بمحاولة استمالتها من خلال رفع العقوبات عنها.
خامساً: نجاح روسيا البيّن في مقاومة العقوبات الهائلة التي فرضها الغرب عليها بعد بدء المعارك مع أوكرانيا في عام (2022). إنّ من شبه المؤكد أن الغرب، بزعامة الولايات المتحدة قد راهن على إخضاع روسيا وهزيمتها في صراعها مع أوكرانيا من خلال العقوبات فضلاً عن الضغط العسكري، ولكن ذلك لم يحدث في الواقع بسبب تحسّب روسيا لهذه العقوبات، وبسبب علاقتها الاستراتيجية مع الصين ومع مجموعة "البريكس" ومجموعة "أوبك بلس" النفطية، إنّ نجاح روسيا في تجاوز العقوبات الغربية بكافة أشكالها دليل قوي على قوة هذه الدولة واستحقاقها لأن تكون دولة كُبرى كما كان ذات يوم.
هل نستغرب أن تحاول روسيا استعادة مكانتها السابقة؟ بالطبع لا لأن كل دولة تحاول ذلك إذا استطاعت، ولأن روسيا دولة إمبراطورية عريقة فضلاً عن أنها تمتد فوق 17,000,000كم2 ولديها من أسلحة الردع (وبالذات النووية) ما لديها.
ولعلّنا يجب أن نضيف في هذا الصدد أنّ استعادة روسيا لمكانتها السابقة كأحد قطبين عالميين هو ليس لصالحها فقط بل لصالح البشرية، فالعالم يتجه "للتعادلية" بالضرورة، ولا يقبل "انعدام التوازن"، وغني عن القول أنّ روسيا تاريخياً كانت داعمة للحق العربي في فلسطين، ولجميع حركات التحرر والتنمية في أقطار الوطن العربي.