زيارة تاريخية تفتح آفاقًا جديدة للشراكة بين أوزبكستان والأردن
عبد الحميد الكبي
26-08-2025 07:02 PM
تتجلى قوة الروابط بين أوزبكستان والأردن في تقارب تاريخي وثقافي يجمع بين تراث طريق الحرير وإرث الحضارة الأردنية. هذان البلدان، رغم تباعدهما الجغرافي، يتقاسمان رؤية مشتركة لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والإنساني، مدعومةً بروابط إسلامية عميقة. زيارة العاهل الأردني إلى سمرقند في 25-26 أغسطس 2025 تمثل نقطة تحول تاريخية، تفتح آفاقًا جديدة لشراكة مستدامة، تعكس الطموح المشترك للشعبين نحو الازدهار والاستقرار.
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في فبراير 1993، شهدت العلاقات بين أوزبكستان والأردن تطورًا مطردًا، مستندة إلى قيم إسلامية مشتركة وتراث ثقافي غني. يتجلى هذا الارتباط في المعالم التاريخية مثل مجمع شاهي زنده في سمرقند، المدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وفي الروابط الروحية التي تعزز التفاهم المتبادل. هذا الأساس الثقافي والديني شكل قاعدة صلبة لتعزيز الحوار، مما جعل العلاقات أكثر متانة وقوة مع مرور الزمن.
حيث خطت الأردن في يونيو 1994، خطوة رائدة بافتتاح سفارتها في طشقند، لتكون من أوائل الدول العربية التي تؤسس حضورًا دبلوماسيًا في أوزبكستان. عكست هذه الخطوة التزامًا مبكرًا بتعزيز العلاقات الثنائية، وساهمت في تمهيد الطريق لتبادلات دبلوماسية واقتصادية وثقافية، مما عزز التواصل بين الشعبين على المستويين الرسمي والشعبي.
وفي يونيو 2025، قدم السفير الأوزبكي المعتمد لدى الأردن، السيد نادرجان تورغونوف والمقيم في الرياض، أوراق اعتماده إلى الملك، في خطوة عززت القنوات الدبلوماسية. كما يعمل نظام القنصل الفخري لأوزبكستان في الأردن منذ عام 2007، ممثلاً بالسيد لؤي أبوغزالة، لدعم التواصل والتعاون على المستوى الشعبي والرسمي، مما يعكس التزام البلدين بتوسيع قنوات التواصل.
اكتسبت العلاقات زخمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة من خلال زيارات متبادلة رفيعة المستوى. في عام 2025، زار وفد أوزبكي بقيادة وزير الخارجية الأردن، حيث أجرى محادثات مع كبار المسؤولين، وتم توقيع اتفاقيات رئيسية، منها إلغاء التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية وبرنامج تعاون بين وزارتي الخارجية للفترة 2025-2027. كما شهد العام لقاءات على هامش منظمة التعاون الإسلامي ومكالمات هاتفية لتنسيق المواقف حول القضايا الإقليمية. هذه التفاعلات مهدت الطريق لزيارة العاهل الأردني إلى سمرقند، التي شملت جولات في مواقع تراثية ومعرضًا للمنتجات الأوزبكية، مما عزز الثقة المتبادلة.
في 25 أغسطس 2025، هبطت طائرة الملك عبد الله الثاني في مطار سمرقند الدولي، حيث استقبله الرئيس شوكت ميرضيائيف بحفاوة. رُفعت الأعلام الوطنية، واصطف حرس الشرف، فيما أضافت العروض الفلكلورية الأوزبكية لمسة احتفالية تعكس التراث الثقافي العريق. بدأت الزيارة بجولة ساحرة في معالم سمرقند الخالدة، حيث زار الزعيمان مجمع شاهي زنده، درة التراث الإسلامي التي تضم أضرحة الصحابي الجليل قثم بن عباس رضي الله عنه وشخصيات تاريخية أخرى. هذا الموقع، المدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 2001، يروي قصص قرون من الفن والعمارة الإسلامية، فأذهل الزائرين بجماله الخالد. أشاد الملك، المنحدر من السلالة الهاشمية، بأهمية هذا المكان الروحي، حيث تُليت آيات من القرآن الكريم في أجواء مهيبة. كما شملت الجولة زيارة ضريح الأمير تيمور، الذي ألهم الوفد الأردني بإرثه السياسي والعسكري، ومجمع ريجستان، رمز العمارة الإسلامية، الذي يعد بمثابة بطاقة تعريف سمرقند. زار الزعيمان أيضًا موقع "المدينة الخالدة" السياحي، الذي يعكس غنى التراث الأوزبكي من خلال الحرف والفنون التطبيقية.
وفي اليوم التالي، شهد مركز المؤتمرات في سمرقند مفاوضات رفيعة المستوى بين الملك عبد الله الثاني والرئيس ميرضيائيف، بحضور سمو الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري الملك للشؤون الدينية والثقافية، وعدد من المسؤولين، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ووزير الأوقاف محمد الخلايلة، ووزير الزراعة صائب الخريسات. ركزت المحادثات على تعزيز الحوار السياسي، توسيع التعاون الاقتصادي والعسكري، وتعميق التبادلات الثقافية. أشاد الملك بالعلاقات السياسية التي جمعت البلدين على مدار 32 عامًا، مؤكدًا أن هذه الزيارة تشكل بداية فصل جديد من الشراكة. من جانبه، رحب الرئيس ميرضيائيف بالملك في زيارته الأولى لأوزبكستان، مشيدًا بحرصه على تعزيز الحوار بين الأديان ودوره في الحفاظ على استقرار المنطقة، وقال: "أنتم أحد أكثر الزعماء تأثيرًا في العالم الإسلامي". كما أشار إلى التشابه بين رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن ورؤية أوزبكستان 2030.
تناولت المباحثات مستجدات الشرق الأوسط، حيث جدد الملك دعوته للمجتمع الدولي لخفض التصعيد واستعادة الأمن والاستقرار، مؤكدًا ضرورة وقف الحرب على غزة، وإنهاء الكارثة الإنسانية، والسماح بتدفق المساعدات دون عوائق. كما شدد على أهمية وقف التصعيد في الضفة الغربية والاعتداءات على المقدسات في القدس، معبرًا عن رفض الأردن لأي محاولات لاحتلال أو ضم الأراضي الفلسطينية أو تهجير سكانها.
تُوّجت المفاوضات بتوقيع 15 وثيقة ثنائية، تشمل تسع اتفاقيات وبرتوكولي تعاون وثلاث مذكرات تفاهم في مجالات التعليم العالي، السياحة، إعفاء التأشيرات، الاستثمار، الجمارك، الزراعة، الخدمات الجوية، الشؤون الدينية، تسليم الأشخاص، والمواصفات والمقاييس. كما اقترح الزعيمان إنشاء لجنة حكومية مشتركة ومجلس أعمال أوزبكي-أردني لتسهيل الشراكات التجارية. خلال الزيارة، اطلع العاهل الأردني على معرض المنتجات الأوزبكية الموجهة للتصدير، الذي عرض تشكيلة مبهرة من الأدوية، المنسوجات، المجوهرات، والحرف الشعبية، معربًا عن إعجابه بالإمكانات الصناعية لأوزبكستان ومؤكدًا أهمية تبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا.
في لحظة مؤثرة، منح الملك عبد الله الثاني الرئيس ميرضيائيف وسام النهضة المرصع، أعلى أوسمة المملكة، تقديرًا لجهوده في تعزيز العلاقات. وصف الرئيس هذا التكريم بأنه "رمز للصداقة القوية بين الشعبين"، مؤكدًا التزامه بمواصلة التعاون.
اختتمت الزيارة التاريخية بحفل غرس شجرة بلوط رمزية في حديقة مركز المؤتمرات بسمرقند، شارك فيه الزعيمان، في إيماءة تعبر عن التزامهما بشراكة طويلة الأمد. وفي ختام الفعاليات في مطار سمرقند الدولي، كان الرئيس شوكت ميرضيائيف في وداع الضيف الكريم، الملك عبد الله الثاني، في مشهد يعكس عمق الصداقة والاحترام المتبادل بين البلدين، مؤكدًا على استمرارية هذه العلاقة المتنامية.
تتطلع أوزبكستان والأردن إلى مستقبل واعد يعتمد على تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي. اقتصاديًا، يركز البلدان على توسيع التجارة، التي بلغت 4.6 مليون دولار في 2024، مع خطط لإبرام اتفاقيات تجارة تفضيلية وإنشاء مجلس أعمال مشترك. تشمل المجالات الواعدة التعدين، الأدوية، الزراعة، والاقتصاد الرقمي. ثقافيًا، يعمل البلدان على تعزيز التبادل الأكاديمي، السياحة، والبرامج المشتركة في الدراسات الإسلامية والتراث. موقع الأردن الاستراتيجي كبوابة للأسواق الإقليمية، وموارد أوزبكستان الغنية، يوفران فرصًا هائلة. السياحة، على وجه الخصوص، تمثل مجالًا واعدًا، حيث تجذب مواقع اليونسكو في أوزبكستان، مثل ريجستان، السياح الأردنيين، بينما توفر وجهات الأردن، مثل البحر الميت ووادي رم، تجارب فريدة للأوزبكيين.
لذلك تؤكد زيارة العاهل الأردني إلى سمرقند أن العلاقات بين أوزبكستان والأردن ليست مجرد تعاون دبلوماسي، بل شراكة استراتيجية راسخة في الثقة والقيم المشتركة. مع الاتفاقيات الجديدة، والتبادلات الثقافية المكثفة، والإرادة السياسية القوية، تتجه العلاقات نحو مرحلة جديدة من الازدهار. هذه الشراكة، التي تجمع بين تراث طريق الحرير وإرث الحضارة الأردنية، تعد نموذجًا للتعاون البنّاء، يسهم في الاستقرار والتنمية لكلا الشعبين.