facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حتى آخر غَزّاوي


د. ذيب القراله
03-09-2025 02:01 PM

تطورات الاوضاع الميدانية في غزة هذه الايام، تشير الى ان المدينة محاصرة خارجيا ،من جميع الاتجاهات من قِبل قوات الاحتلال ، التي سيصل تعدادها الى ٦٠ الفاً ، ضمن عملية ( عربات جدعون 2 ) اي انها بين كماشة ثلاثية الاضلاع ،وبحر هائج مائج لا يقل خطورة ، عن ( غدر ومكر ) قوات الكيان، التي تقتل وتحرق وتدمر ، بلا رادع من ضمير ، او خشية من قانون.

ابناء غزة محاصرون داخليا ايضا ، بالجوع والعطش والمرض والتلوث والعصابات، مما يعني ان استشهاد اعداد كبيرة منهم هو امر محقق، على مرأى ومسمع العالم ، ان لم يكن على يد اسرائيل ، فسيكون بسبب الجوع والمرض ،، وان طالت اعمار بعضهم الآخر - وبالتالي معاناتهم - شهرا او اثنين ، عاما او عامين - فان شبح الموت بانتظارهم ايضا نظرا لانعدام اسباب الحياة - وكون حكم ( الاعدام ) الاسرائيلي بحقهم قد صدر ، ولم يبقى امامهم الا مواعيد وتوقيتات التنفيذ.

شعب غزة الذي ينزف - منذ عامين - دما والما وحسرة ، ويُقدم الشهيد تلو الشهيد ، ويجود بنفسه دفاعا عن ارضه وعرضه وقضيته ، في ملحمة انسانية بطولية غير مسبوقة ( لا يُلام على اي قرار يتخذه ، فقد كفًى و وفًى) .. والخوف كل الخوف ان تنتقل مأساة غزة في مقبل الشهور ، الى الضفة الغربية ( ولكن باخراج مختلف ) في ضوء الاجراءات والجرائم الاسرائيلة المتسارعة هناك، من القتل والتضييق والاستيطان والحديث عن الضم وفرض السيادة والتهجير ، وانهاء السلطة الوطنية الفلسطينية.

ما يجرى في غزة يذكرنا بمحطات هامة في حياة شعوب وامم ، عاشت لحظات فارقة في تاريخها نتيجة اختلال موازين القوى من حيث ( العدد والعدة ) هذه المواقف والمحطات قاد بعضها الى نصر ، والاخر الى شهادة ، وثالثة الى ( الموت بشرف) لكن النتيجة كانت في كل الاحوال ، ورغم اختلاف المسميات ، واحدة ومبهرة ومُلهمة ودخلت التاريخ، كما في فيتنام ولينينغراد والبوسنه وغيرها من ساحات الصراع بين القوي والضعيف.

من منًا لم يقرأ عن بطولة القائد طارق بن زياد ، عندما احرق سفنه وخاطب جيشه ، بالعبارة المشهورة ( العدو من امامكم والبحر من خلفكم ) وبعدها خاض الجيش معركة ملحمية توجت بنصر مؤزر ، تم خلاله فتح الاندلس ،رغم تفوق العدو في الامكانيات العسكرية ، واصبحت مقولته رمزا للشجاعة والاقدام و ( عدم الاستسلام ).

وفي معركة اليرموك ، عندما حُوصِر جيش المسلمين بقيادة خالد ابن الوليد ( البالغ تعداده ٣٦ الفا ، مقابل من ٢٤٠ الفا من الروم ) انبرى عكرمة بن ابي جهل ، وقال جملته الشهيرة ( من يبايع على الموت )؟ فالتحق به مئات الفدائيين وشكلوا ( كتيبة الموت ) التي قاتلت ببسالة، وكسرت شوكة جيش الروم وفتحت ثغرة في صفوفه ، غيرت مجرى المعركة لصالح جيس خالد، في سابقة لا زالت تدرًس في المعاهد العسكرية لغاية اليوم.

وبعيدا عن البُعد العقائدي والأيدولوجي ، قرأنا عن كفاح مقاتلي ( ساموراي ) في القرن التاسع عشر ، وشاهدنا الفيلم الملحمي الدرامي ( لاست ساموراي Last samurai ) لتوم كروز ، الذي جسًد بطولة هؤلاء المقاتلين ، الذين اختاروا ان يخوضوا معركة غير متكافئة في العدد والسلاح مع الجيش الياباني ، حتى يموتوا بشرف ، في ساحات القتال ، مُقبلين غير مدبرين.

اسرائيل في سلوكياتها اليومية ، وهمجيتها المتأصلة وغطرستها المرضيًة ، تجبر شعب غزة ، المقاتلين والمدنيين ( العُزًل ) ، على المواجهة ، وتدفعهم دفعا الى الموت بشرف ، فهي لم تترك لهم خيارا للحياة، ولا سبيلا للنجاة، وبذلك فان تل ابيب هي الطرف الوحيد الذي يجب ان يتحمل وزر الفعل ورد الفعل ، الذي لا يمكن التنبؤ بتداعياته المستقبلية ، والذي قد نشاهد نتائجه بعد سنوات طويلة في فيلم اسمه ( آخر غزاوي ).

التجارب التاريخية ، والدراسات النفسية والاجتماعية تؤكد ان ( الحصار الشامل، والحرب الهمجية ) لا يؤدي ببساطة إلى الاستسلام، بل يخلق مزيجًا من التصلب النفسي ويعزز الدافع العقائدي ، وهذه العوامل تدفع الناس غالبًا نحو خيار ( الصمود ) أكثر من خيار ( الانهيار )، وبذلك يصبح المزاج العام في ظل الهوية الجماعية والدينية ( كما في حالة غزة ) ميالا نحو القتال حتى النهاية أو العيش بكرامة تحت أي ظرف.

ولذلك فان الحصار ليس مجرد إغلاق للحدود الأربع ، بل إنّه إعادة تشكيل للوعي اليومي على إيقاع الموت المنتظر في كل لحظة، فعندما يصبح الحصول على الخبز والماء والدواء مهمة شبه مستحيلة ، تتغيّر ( معادلة الخوف ) لان ما يمكن خسارته يصبح قليلا ، و امكانية الميلُ إلى (المجازفة ) ترتفع ،و فكرة ( التضحية ) تتقدم حينها على الرغبة في ( النجاة).

في ظل الحصار الشامل ، تعيش الاغلبية من الناس وتتكيف ، وتُبقي شعلة ( الفِداء ) متقدة ، كي لا يتحوّل الموت إلى ( حدثٍ بلا هدف ) لذلك، فإن فك الحصار المفروض على القطاع ، لا يخفّف الألم عن اهالي غزة فقط ، بل ويقلّل من احتمالات اندفاعهم إلى خيارات ( حتى النهاية ) لان المعادلة بغير ذلك ، تصبح ليست بين حياةٍ وموت، بل بين موت بكرامة وموت بلا ثمن .
لقد اثبتت دروس الصراعات انه كلما زاد الخناق، زاد العناد ،، والإرادة البشرية حين تُسلب منها أسباب الحياة، قد تسمو فوق الخوف ، لتصنع مجدًا أو تصنع مأساة ،، لكنها نادرًا ما تستسلم.

theeb100@yahoo.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :