facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين فكّ الارتباط والكونفدرالية .. أي طريق ينجو بالأردن؟


د. سعيد المومني
03-09-2025 07:15 PM

لم يعد السؤال اليوم ما إذا كانت القضية الفلسطينية تتجه نحو منعطف حاسم، بل ما إذا كان الأردن قادراً على حماية نفسه من أن يكون ساحة لتصفية الحسابات أو أرضاً بديلة تُلقى عليها أعباء حلٍّ فُرض بالقوة. فمنذ السابع من أكتوبر وما تبعه من حرب مدمّرة على غزة، تغيّرت قواعد اللعبة: إسرائيل تمضي نحو الحسم العسكري والسياسي، الولايات المتحدة في عهد ترامب أعادت ترتيب أولوياتها بعيداً عن حلّ الدولتين، والأنظمة العربية تتعامل مع الملف الفلسطيني باعتباره عبئاً لا خلاص منه إلا على حساب الأردن.

في خضم هذه التحولات، يطفو على السطح خياران متناقضان: دسترة فك الارتباط كإعلان رسمي لانسحاب الأردن من أي مسؤولية سياسية أو قانونية عن الضفة الغربية، أو قبول كونفدرالية مفروضة قد تجد طريقها للواقع كحلّ “عملي” لمعضلة فلسطينية باتت عصية على الحلول التقليدية.

من صفقة القرن إلى 7 أكتوبر .. كيف تغيّرت المعادلة؟

حين طرح دونالد ترامب في ولايته الأولى مشروع “صفقة القرن”، لم يكتفِ بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بل أضفى شرعية على ضمّ الجولان والأغوار، وذهب أبعد بطرح فكرة كونفدرالية بين الأردن والسلطة الفلسطينية. يومها كان الرد الأردني صارماً وحاداً؛ رفضت عمّان الطرح بشكل قاطع، إدراكاً لخطورة ما يعنيه على السيادة والهوية الوطنية.

لكن المختلف اليوم أن السابع من أكتوبر غيّر كل شيء. إسرائيل خرجت من الحرب مقتنعة بأن أي صيغة مع الفلسطينيين لا بد أن تكون مفروضة بالقوة، وأن قطاع غزة يمكن إعادة ترتيبه وفق صيغة إدارة جديدة “غير السلطة”، فيما الضفة الغربية مرشّحة لخطوات ضمّ تدريجية تبدأ بالمنطقة “ج”. ومع هذا التحوّل، لم يعد الأردن أمام الطرح الكونفدرالي مجرد مقترح سياسي رفضه وانتهى، بل بات احتمالاً يعاد تدويره من باب (الواقعية الإقليمية).

الخطير أن واشنطن - في ظل ترامب - لا ترى في الأردن أولوية، بل تعتبره طرفاً ملحقاً يمكن الضغط عليه عبر المساعدات أو العزلة الدبلوماسية، كما ظهر في اللقاء المتوتر بين ترامب والملك عبدالله الثاني الذي تحوّل لاحقاً إلى مجاملة إعلامية جوفاء.

دسترة فك الارتباط .. السيادة أم خسارة الشرعية؟

لا أريد الخوض في الجدل القانوني، ولكن هناك من يعتقد أن دسترة فك الارتباط تمثل حماية للأردن؛ إذ تضع حاجزاً قانونياً صلباً أمام أي محاولة لتحميل المملكة أعباء القضية الفلسطينية، وتغلق الباب أمام فكرة التوطين أو الحلول المرحلية. لكنها ليست خياراً بلا ثمن، بل قد تكون جريمة أخلاقية وتاريخية.

فالشرعية الأردنية الحديثة استندت، في أحد أركانها الأساسية، إلى الارتباط بالضفة الغربية ثم إلى الوصاية على القدس ومقدساتها. فإذا ما تحول فكّ الارتباط إلى نص دستوري، فإن النتيجة الحتمية ستكون قطع آخر خيوط الشرعية التاريخية مع فلسطين والقدس. وهذا معناه انتهاء الوصاية الهاشمية فعلياً، وتحوّل الأردن إلى كيان سياسي منغلق على حدوده الضيقة، فاقد لميزة دوره الإقليمي التي شكّلت رصيده الأهم أمام العالم.

الكونفدرالية المفروضة .. تهديد للسيادة والهوية

أما الكونفدرالية، فإنها تبدو في ظاهرها صيغة “وسطية”، لكنها في حقيقتها مشروع خطير يهدد أسس الدولة الأردنية. فقبول الأردن اليوم بكونفدرالية مفروضة يعني إدماجاً ديموغرافياً واسعاً للفلسطينيين في إطار سياسي مشترك، ما يعيد إنتاج “الوطن البديل” بمسميات جديدة. وتحمّل أعباء اقتصادية وأمنية هائلة لا قدرة للأردن على استيعابها في ظل أزماتها المتراكمة. وتقليص السيادة الأردنية لصالح كيان هجين، تُصاغ قواعده في واشنطن وتل أبيب أكثر مما تُصاغ في عمّان ورام الله.

وإذا كان الأردن قد رفض هذا الطرح سابقاً وهو في موقع أقوى، فكيف سيواجهه اليوم وقد تغيّرت الموازين لصالح إسرائيل وتراجعت مكانة القضية الفلسطينية في أولويات العالم؟

الأردن وحيد في مواجهة المؤامرة

بعيداً عن التصريحات الرسمية التي غالباً ما تُعد مجرد “كلام مال جرايد” كما وصفها وزير الدفاع العراقي السابق حردان التكريتي، لم يعد الموقف العربي سنداً للأردن. كثير من الدول، تحت ضغط مخاوفها الأمنية والاقتصادية، ترى أن الحل السريع للقضية الفلسطينية يمر على حساب الأردن، سواء بدفعه نحو كونفدرالية تذيب هويته، أو بتحميله أعباء اللاجئين وإعادة التوطين. اليوم، تجد عمّان نفسها وحيدة تقريباً في مواجهة مشروع إسرائيلي-أميركي مدعوم ضمنياً، أو على الأقل يواجهه صمت متواطئ من بعض العواصم العربية.

لماذا لا نرى موقفاً شعبياً واضحاً في الضفة اليوم؟

حسب تقديرات الجهاز المركزي الفلسطيني تشير إلى أن عدد سكّان الضفة يقترب من 3.4 مليون نسمة بنهاية 2024. لكنّ غياب موجة احتجاجية واسعة أو انتفاضة شاملة اليوم لا يعني غياب الغضب أو الفعل؛ بل هو نتاج تراكم عوامل سياسية، أمنية واجتماعية واقتصادية تعمل معاً لإجهاض أو قمع انفجار شعبي واسع النطاق. أهم هذه العوامل ؛ قمع واستباق إسرائيلي ممنهج أدى إلى تدمير البنى التنظيمية المحلية. أيضاً تفكك وضعف السلطة الوطنية الفلسطينية فهي أضعف من أن تقود حراكاً شعبياً موحداً فعد افتقدت الشرعية في أعين قطاعات واسعة. والإرهاق الديموغرافي والإنساني من تراكم الصدمات (حصار، قصف، تدهور اقتصادي، نزوح داخلي) جعَل المجتمع مُنهكاً؛ في ظروف كهذه، كثيرون يفضّلون البقاء على قيد الحياة اليومية بدلَ المخاطرة بانخراطٍ جماهيري واسع يمكن أن يدفع ثمنه الأهالي بأغلى ما لديهم وخوفهم من سيناريو غزة.

هل على الأردن الاستسلام للواقع؟

الإجابة القصيرة: لا. الأردن لا يستسلم، بل يعود بذكاء إلى عمقه. العودة إلى العمق ليست دعوة للانعزال، بل استراتيجية عملية تقوم على استعادة روابط الدولة بالمجتمع، تعزيز شرعية مؤسساتها، وإعادة بناء شبكات المصالح التي تمنحها هامش مناورة. ولتحقيق ذلك، يحتاج الأردن إلى خطوات محددة وواضحة:

شرعية فعلية: لا يكفي الإعلان الرسمي عن المواقف؛ يجب أن يشعر المواطن أن مصالحه محمية. يشمل ذلك إصلاحات سياسية حقيقية وبناء قنوات اتصال مباشرة مع قوى المعارضة الوطنية بعيدًا عن هندسة المشهد برؤية أمنية، ما يشكّل العمود الفقري لبناء شرعية مؤسسية قوية.

إصلاحات دستورية وقانونية شاملة: العمل مع برلمان مستقل لتعزيز الضمانات الدستورية التي تحمي الهوية والحقوق المدنية، وفي الوقت نفسه فتح المجال لإشراك شرائح فلسطينية-أردنية في إطار يحفظ توازن الدولة ويعزز الاستقرار.

حملة تواصل داخلي فعّالة: خطة إعلامية شفافة تشرح موقف الدولة وتوجهها الاستراتيجي بعيدًا عن الشعارات المستهلكة، لتعزيز ثقة المواطن في قدرة الدولة على حماية مصالحه.

دبلوماسية نشطة ومتوازنة: استعادة اهتمام شركاء بديلين مثل الاتحاد الأوروبي، روسيا، الصين، وتركيا لتخفيف الضغط الأميركي-الإسرائيلي، وتوسيع شبكة التحالفات الدولية التي تدعم موقف الأردن الاستراتيجي.

إعادة النظر في العلاقة مع المقاومة الفلسطينية: النظر إلى وجودها كعامل مركزي لصياغة القرار الفلسطيني المستقل، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية على أرضها، ويحمي الأردن من أن يتحول إلى أرض عبء أو ساحة لتصفية الحسابات.

المعضلة الوجودية للأردن .. السيادة، الهوية، والمستقبل

الأردن أمام اختبار استراتيجي عميق: لا خيار بلا ثمن. دسترة فك الارتباط تعني حماية السيادة على حساب فقدان الشرعية التاريخية المرتبطة بالقدس، بينما الكونفدرالية المفروضة تهدد الهوية الوطنية مقابل دور سياسي مشبوه. أما البقاء على الوضع الراهن فمخاطره أن يُترك الأردن عالقاً، ينتظر فرض حلول خارجية لا يملك منها فكاكاً.

إنها معضلة وجودية بكل معنى الكلمة، ويزداد تعقيدها باستمرار خطاب الإنكار لحجم المشكلة، واعتماد الحل الأمني بالتوازي مع استراتيجية ترحيل الأزمات.

والسؤال المركزي: ما البديل؟

الإجابة تكمن في استراتيجية متكاملة: بناء العمق الشعبي، إصلاحات طويلة لتعزيز مناعة الدولة، تحالفات دولية بديلة، ومقاربة سياسية ذكية تدعم مشروع المقاومة الفلسطينية. هذا المسار لا يضمن نتيجة سهلة، لكنه يحسن من موقع الأردن التفاوضي ويقلل من فرص فرض حلول خارجية على حساب مستقبله وأمنه وهويته.

والعامل الحاسم في كل ذلك هو (الإرادة السياسية).

من دونها، ستُفرض الخيارات على الأردن من عواصم أخرى، ويُدفع ثمن سنوات طويلة من تراكم الأزمات.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :