facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مولد النور: حين وُلد الإنسان من جديد


صالح الشرّاب العبادي
04-09-2025 01:23 AM

لم يكن مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم حدثاً عابراً في تقويم الزمن، ولا سطراً عادياً في سجلات التاريخ، بل كان لحظة انفجار نورٍ كونيٍّ اخترق حجب الظلمات، وأعاد صياغة معادلة الوجود برمّتها ، وُلِد الرسول في زمنٍ كانت الإنسانية فيه على حافة الهاوية: إمبراطوريات متجبرة تنهش الأرض والإنسان، وأمم غارقة في الوثنية، وفلسفات عاجزة عن إنقاذ الروح من التيه، وعقول متخبطة بين الخرافة والجهل ، لقد كان الكون يومها يبحث عن معنى، وكانت الروح البشرية تصرخ في صمتٍ عميق: “أين الطريق؟”.

في تلك اللحظة، جاء محمد صلى الله عليه وسلم، لا ليضيف ديانة جديدة إلى قائمة المعتقدات، بل ليُعيد تعريف حقيقة الإنسان والكون والحياة. لم يأتِ ليُنشئ طائفة أو يكرّس مذهباً، وإنما جاء حاملاً الرسالة الكبرى: أن الإنسان مخلوق مكرَّم، وأن الغاية من وجوده هي عبادة الحق الواحد، وإقامة العدل، وتحرير الروح من عبودية الطغاة والأصنام والشهوات.

كان ميلاده إيذاناً بميلاد أمة جديدة، لا أمة بالمعنى العرقي أو السياسي الضيق، وإنما أمة الرسالة: أمة الشهادة على الناس، أمة الوسط التي تتوازن فيها الروح والعقل، الغيب والشهادة، الفرد والجماعة ، ومن هنا كان الإسلام دين الحياة الكاملة؛ لا دين الموت ولا الانكفاء، دين البناء لا الهدم، دين الرحمة لا القسوة، دين المحبة والتسامح والسلام.

إننا حين نتأمل في مولده الشريف ، ندرك أنه لم يكن مولد رجلٍ فحسب، بل كان مولد مشروع حضاري ممتد، مشروع يربط الأرض بالسماء، ويُقيم ميزان العدل بين البشر، ويزرع في قلب الإنسان يقيناً بأنه لم يُخلق عبثاً، ولم يُترك سدى ، لقد جاء محمد ليوقظ الإنسان من سباته الطويل، وليقول له: “أنت خليفة الله في الأرض، فاصنع الحضارة بالحق، وأقم العمران بالعدل، وزك الروح بالإيمان , وعامل بالخلق العظيم، لانه صلى الله عليه وسلم ( .. لعلى خلق عظيم ..) .

فالمولد النبوي ليس احتفالاً بذكرى تاريخية، بل هو استدعاء دائم لتجديد العهد مع الرسالة، وامتحان مستمر لمدى وفائنا للحق الذي حمله الرسول العظيم ، إن الأمة التي تحتفي بمولده ولا تحمل رسالته إنما تحتفل بقشرة بلا جوهر، وتستذكر نوراً دون أن تقتبس منه شعلة تهدي بها واقعها.

إن ميلاده صلى الله عليه وسلم هو ميلاد إنسانية جديدة، ميلاد عقل حرٍّ وروح طاهرة وقلب رحيم ، ومن هنا فإن الاحتفاء الحقيقي به لا يكون في زينة ولا أهازيج، بل في أن نعيد إنعاش رسالته في حياتنا: عدلاً في الحكم، رحمةً في القلوب، صدقاً في القول، وإحساناً في العمل.

ولذلك فإن مولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد لحظة ماضية، بل هو لحظة متجددة في كل قلب صادق، ونقطة انطلاق في كل نهضة حقيقية ، إنه ذكرى تقول لنا: “لقد وُلد النور، فلا تتركوا الظلام يستولي على قلوبكم”.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :