تمثيل نائب القائمة المحلية لحزبه في البرلمان: قراءة دستورية وقانونية
د.مهند صالح الطراونة
04-09-2025 01:46 AM
إستحدث المشرع الأردني في قانون الإنتخاب رقم (4) لسنة 2022 نظاماً إنتخابيا جديدا جاء متناغما مع مرحلة سياسية جديدة ومتطلب هام لمنظومة التحديث السياسي التي أرادها سيدي صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه، حيث يقوم على اساس نوعين من أنواع الدوائر الإنتخابية وذلك وفقا لما ورد في نص المادة رقم (2) " المعني " الأولى وهي الدائرة الإنتخابية العامة ، والثانية المحلية ، كما تناولت المادة ذاتها تعريفاً للقائمة الحزبية وهي القائمة المشكلة من حزب أو تحالف حزبي أو تحالف لغايات المشاركة في الإنتخابات النيابية ،كما تضمن النص أيضا تعريفا للقائمة المحلية وهي القائمة المشكلة من عدد من المترشحين في الدائرة الإنتخابية المحلية لغايات المشاركة في الانتخابات النيابية ، الأمر الذي يرتب وجود نوعين من المراكز القانونية بين النواب الحزبيين ،النائب الحزبي عن القائمة المحلية ، والنائب الحزبي عن القائمة العامة ، ولعل السؤال الأبرز في ظل هذا السياق ، هو مدى جوازية تمثيل نائب القائمة المحلية لحزبه في البرلمان ، سيما وأن نصوص الدستور - وكذلك التشريعات ذات العلاقة - لا تحول دون أن يكون نائب القائمة المحلية حزبي ، وما يبرر سؤالنا هو التباين الدستوري في قواعد شغور العضوية والفصل منها لكل من المركزين القانونيين سالفي الذكر ،والتباين في قواعد التمثيل وفقا لأحكام النظام الداخلي لمحلس النواب ، وكذلك ما نص عليه قانون الاحزاب رقم (7) لسنة 2022 من قواعد تتضمن فرض عقوبات على نائب القائمة العامة الحزبي إذا ما تجاوز برنامج الحزب المفروض عليه ، لم تفرض على زميله الحزبي عن القائمة العامة في ذات الكتلة والتي قد يمثلها العضو ، ولمزيد من التفصيل نستعرض النصوص الدستورية ذات العلاقة ومن ثم نتبع ذلك بالتحليل وذلك على النحو الآتي :
أولا : في النصوص الدستورية والقانونية
حيث تنص المادة (6)الفقرة (1) الدستور الأردني على أن :"الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم فـي الحقوق والواجبات وإن اختلفوا فـي العرق أو اللغة أو الدين" ، كما نصت الفقرة (3) من ذات المادة على أن : " تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين"، وتنص المادة (22) الفقرة (1) من الدستور على أن : " لكل أردني حق فـي تولي المناصب العامة بالشروط المعينة فـي القانون أو الأنظمة" ، وتنص المادة (71) من الدستور على أن : " تختص محكمة التمييز بحق الفصل في صحة نيابة أعضاء مجلس النواب وفقا لأحكام القانون على أن يقدم الطعن خلال خمسة عشر يوما من تاريخ نشر نتائج الانتخابات فـي الجريدة الرسمية وعلى المحكمة الفصل في الطعن خلال مدة لا تزيد على ثلاثين يوما من تاريخ تسجيل الطعن لديها" ، وكذلك المادة (72) من الدستور تنص على أن : " يجوز لأي عضو من أعضاء مجلس النواب أن يستقيل بكتاب يقدمه إلى رئيس المجلس وتعتبر الاستقالة نافذة من تاريخ تقديمها" وتنص المادة( 88)من الدستور على أن : " إذا شغر محل أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب بالوفاة أو الاستقالة أو غير ذلك من الأسباب باستثناء من صدر بحقه قرار قضائي بإبطال صحة نيابته، يُملأ محله إن كان عينا بطريق التعيين من الملك، وإذا كان نائبا يقوم المجلس بإشعار الهيئة المستقلة خلال ثلاثين يوما من شغور محل العضو ويملأ محله وفق أحكام قانون الانتخاب خلال ستين يوما من تاريخ الاشعار بشغور المحل وتدوم عضوية العضو الجديد إلى نهاية مدة المجلس" ، فيما تنص المادة ( 67) من الدستور الفقرة (1) على أن : "يتألف مجلس النواب من أعضاء منتخبين انتخاباً عاماً سرياً ومباشراً وفاقاً لقانون للانتخاب يكفل الأمور والمبادئ التالية....." ، كما تنص المادة ( 90) من الدستور على أن :"لا يجوز فصل أحد من عضوية أي من مجلسي الأعيان والنواب إلا بقرار صادر من المجلس الذي هو منتسب إليه، ويشترط فـي غير حالتي عدم الجمع والسقوط المبينتين فـي هذا الدستور وبقانون الإنتخاب أن يصدر قرار الفصل بأكثرية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس وإذا كان الفصل يتعلق بعضو من مجلس الأعيان فـيرفع قرار المجلس إلى الملك لإقراره" ، ولايفوتنا الذكر أيضا الإشارة إلى نص البند رقم (4) من الفقرة (أ) من المادة (58) من قانون الإنتخاب سالف الذكر حيث نص على أن : " " إذا إستقال النائب الذي فاز عن القائمة الحزبية من الحزب الذي ينتمي إليه أو فُصل منه بقرار إكتسب الدرجة القطعية يتم ملء مقعده من المترشح الذي يليه من القائمة ذاتها التي فاز عنها ،وإذا تعذر ذلك يتم ملء المقعد من القائمة التي تليها مباشرة بالنسبة وضمن الترتيب المنصوص عليه في هذا القانون"
ثانيا : روح الدستور يكمن تمكين نائب القائمة العامة بالتمثيل
واضح مما تقدم أن النصوص متقدمة الذكر قد خلت من وضع حكم صريح يشير إلى جوازية أو عدم جوازية تمثيل نائب القائمة المحلية لحزبه في البرلمان - وبالذات تمثيل حزبه بالكتل البرلمانية - إلا أن ذلك لا يحول دون استظهار القواعد العامة من جوهر هذه النصوص، وتحديد الوجهة والغاية التي يرنو إليها المشرع الدستوري في المسألة ،سيما وأن قواعد تفسير النصوص الدستورية تحتلف عن قواعد تفسير التشريع العادي وهوما ذهب إليه القضاء الدستوري الاردني والقضاء المقارن عندما أعتبر أن نصوص الدستور يجب أن لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ويجب أن ينظر إليها في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها ، كما ويتعين دوما أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لا تتماحى أو تتآكل، بل تتجانس معانيها وتتضافر توجهاتها، ، باعتبار أن لكل نص منه مضمونا ذاتيا لا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينافيها أو يسقطها، بل يقوم إلى جوارها متساندا معها، وأنه من جماع ماتقدم من نصوص دستورية وجد أنها ترنو إلى ترسيخ المزيد من قواعد تمكين التمثيل لنائب القائمة العامة ومن ذلك ماكشف عنه الدستور صراحة في نص المادة (88) منه - سالف الذكر- عندما أحال مسألة شغور عضوية مجلس النواب إلى قانون الإنتخاب ، حيث تناول القانون بالتنظيم الأحكام الخاصة بقواعد شغور العضوية ، الواردة في نص البند رقم (4) من الفقرة (أ) من المادة رقم(58) من قانون الإنتخاب ، وغير ذلك من الأمثلة التي تكشف عن رغبة المشرع الدستوري في التمثيل من خلال القواعد التي يفرضها قانون الإحزاب والتي أتت جميعها إعمالا لمقتضيات منظومة التحديث السياسي المتجه نحو تمكين الأحزاب في الحكم بغية الوصول لحكومات برلمانية تحكم فيها أحزاب برامجيه وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال تعزيز المركز القانوني للنائب الحزبي .
ثالثا : مبدأ المساواة وتكافوء في الفرص في قواعد التمثيل
إستكمالا للبحث وبالرجوع للفكرة مناط الحديث وهي تمثيل النائب الحزبي عن المحليه الحزبي حزبه في الكتلة البرلمانية ، في ضوء تحلله قانونيا من اي عقوبات قد ترد عليه إذا ما تجاوز برنامج الحزب ، غير تلك التي نص عليها الدستور بفصل العضوية ، وذلك باعتباره ممثلا لدائرته المحليه وليس للحزب المنتمي إليه ،في الوقت الذي تكون فيه عضوية زميله الآخر الحزبي عن القائمة العامة في ذات كتلة الحزب مرهونه بمدى التزامه ببرنامج الحزب ،وهو ما ارى فيه تميزا تحكميا بين الفئتين التي تجمعهما عضوية واحدة وظروف واحدة داخل الكتلة ، الامر الذي ارى فيه إهدار لمبدأي المساواة وتكافوء الفرص المنصوص عليهما في الفقرتين (1) و (3) من المادة (6) من الدستور الاردني ، فضلا أن فيه مخالفة لروح الدستور ، في تمكين الاحزاب في التمثيل وتطوير المنظومة السياسية داخل البرلمان وفي تشكيل الكتل البرلمانية وقوامها .
رابعا : مراجعة بعض أحكام النظام الداخلي لمجلس النواب الخاصة بتشكيل الكتل
وعليه وانسجاما مع نصوص الدستور وروحه ، ومع كون أن التشريعات تشكل نسيجا واحدا متظافرا يكمل بعضه بعضا ، أهيب بالمشرع الكريم البدء أولا بمراجعة نصوص النظام الداخلي الخاصة بتشكيل الكتل وإإتلافاتها ، الواردة في الفصل الخامس من النظام الداخلي لمجلس النواب وبالذات نص المادة (25) والمادة (27) الخاصة بانتخاب رئيس الكتلة ،والمادتين (28 ) و(29) من ذات اللائحة ، على نحو يمكن فيه العمل الحزبي ونائب القائمة العامة نحو التمكين في التمثيل ،ويعمل فيه قواعد المساواة بينه وبين النائب الحزبي بذات الحزب عن القائمة المحلية .
Tarawneh. Mohannad @yahoo .com