الوصاية الهاشمية والفاتيكان: شراكة روحية ودبلوماسية لحماية القدس
عبداللطيف الجمل القطامين
04-09-2025 02:09 AM
في نهاية عام ٢٠٢٢ أطل جلالة الملك عبد الله الثاني من موقع المغطس حيث تعمّد السيد المسيح عليه السلام في مقابلة مع شبكة سي ان ان ليؤكد على أن القدس ومقدساتها تمثل الخطوط الحمراء التي لا يمكن التهاون في تجاوزها حديث الملك في ذلك المكان المقدس منح رسالته بعدا روحيا عالميا انعكس على الخطاب الأردني والدولي طوال عام ٢٠٢٣
اهمية المقابلة لم تكن سياسية فقط بل جاءت من موقع تاريخي وروحي استثنائي فالمغطس ليس مجرد معلم ديني بل رمز للسلام والتلاقي والتاريخ المشترك للمسيحيين والمسلمين وقد شدد الملك على ضرورة تطوير الموقع عبر مشاريع مثل المتحف والحدائق ومراكز التدريب بما يحافظ على رسالته العالمية كما ذكر الملك بحقيقة انسانية عميقة أن المسيح عليه السلام كان أول المهجرين من فلسطين عندما اضطرت عائلته للجوء إلى مصر وهو رمز خالد لمعاناة الفلسطينيين الاوائل
في تلك المقابلة حذر الملك من تصاعد التطرف والتوظيف السياسي للقدس والتنبيه الى أن الاوضاع قد تخرج عن السيطرة بسرعة كبيرة ومخاطر اندلاع انتفاضة ثالثة مؤكدا أن نتائجها ستكون كارثية ولن تصب في مصلحة احد والتحديات التي تواجه الكنائس والاجراءات المفروضة على الارض في ظل وصايته الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية هذه التحذيرات لم تكن قراءة عابرة بل تعبير عن رؤية استراتيجية تضع حماية المقدسات في صميم الامن والاستقرار الاقليمي
الى جانب الموقف الأردني يأتي دور الفاتيكان كرافعة اخلاقية وروحية ذات تأثير عالمي الفاتيكان مرجعية دينية لمليار كاثوليكي حول العالم وصوته في دعم الفلسطينيين يضفي بعدا انسانيا للقضية يتجاوز السياسة التقليدية وبفضل شبكة علاقاته مع معظم دول العالم يتمكن من مخاطبة الرأي العام الغربي بلغته الخاصة مسلطا الضوء على المأساة الفلسطينية بدعمه للمسيحيين الفلسطينيين في القدس وبيت لحم يثبت الفاتيكان أن الصراع ليس دينيا بين مسلمين ويهود كما تحاول الرواية الاسرائيلية تصويره بل هو صراع شعب كامل ضد الاحتلال موقف الفاتيكان ثابت بدعم اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية مع وضع خاص دولي للمقدسات وربط الفاتيكان دعم فلسطين بتاريخ المسيح كأول مهجر من ارضها يعمق الوعي بأن القضية ليست وليدة القرن العشرين بل ممتدة بجذورها في التاريخ المقدس
الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس تشكل الركيزة العملية لحماية المدينة وهويتها باعتراف دولي واسع بما في ذلك من الفاتيكان بأن الأردن هو الضامن للمقدسات والوصاية تضع الأردن في موقع مواجهة قانونية وسياسية امام محاولات الاحتلال لتغيير الوضع القائم وحماية القدس ليست شأن الفلسطينيين وحدهم بل تهدد الامن الاقليمي والعالمي وهو ما يجعل الدور الأردني صمام امان
اللقاء الاخير بين وزير الخارجية ايمن الصفدي ووزير خارجية الفاتيكان بول غالاغير جسد هذه الشراكة المزدوجة الفاتيكان يمد القضية الفلسطينية بدعم اخلاقي ودبلوماسي عالمي والأردن يقدم الوصاية العملية والشرعية التاريخية والسياسية معا يشكلان جبهة متكاملة تمنع طمس الهوية الفلسطينية والعربية للقدس وتبقي القضية حية في الضمير العالمي مستندة الى البعدين السلطة الاخلاقية للفاتيكان والشرعية التاريخية للوصاية الهاشمية
مقابلة المغطس لم تكن مجرد حدث اعلامي بل محطة استراتيجية تؤكد أن القضية الفلسطينية والقدس تحديدا ليست شأنا محليا او اقليميا بل قضية انسانية عالمية ومع تلاقى الدور الفاتيكاني الاخلاقي بالدور الأردني العملي تتجدد القدرة على مواجهة التطرف وحماية المقدسات وضمان أن تبقى فلسطين حاضرة في وجدان العالم