facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




اللامركزية بين الحقيقة والتضليل الإعلامي


ليلى موسى
04-09-2025 12:15 PM

من اللافت للمتابع للشأن السوري تصاعد وتيرة الحرب الخاصة وعمليات التضليل الإعلامي، منذ انطلاق الحراك الثوري في عام 2011 وحتى يومنا هذا. فبينما يصمت أحيانًا صوت الرصاص، لا يهدأ ضجيج الإعلام بمختلف وسائله وأدواته، حيث تشن حروب شرسة لا تعرف الهدوء أو السكينة. وقد ألقى هذا الضجيج الإعلامي بظلاله، ليس فقط على تشويه مسامع الناس، بل تجاوز ذلك ليطال الإدراك الإنساني والمعرفي والمجتمعي، متعمدًا في كثير من الأحيان تشويهه وتحريفه.

يمكننا الجزم بأنه لم يَسلَم أيُّ مفهوم أو مصطلح من التشويه، أو الشيطنة، أو التفريغ من مضمونه. بل أُعيد تشكيل هذه المفاهيم وفق أهواء ومصالح فئوية وطبقية ضيقة، وغالبًا شخصية، على حساب الأهداف الوطنية والأبعاد الاستراتيجية.

عبر التاريخ، لطالما تعددت المفاهيم المرتبطة بالمصطلح الواحد، كما هو الحال في الفلسفة، وهذا يُعد تعبيرًا عن طبيعة تطوّر المعرفة الإنسانية. وقد أسهمت هذه الصيرورة في تطور الفكر الإنساني، وتوسيع مداركه تجاه الطبيعة والمجتمع والإنسان، وهي حالة صحية وطبيعية في رحلة البحث عن الجديد والإبداع والاكتشاف.

لكن في الحالة السورية، لم يسلم حتى هذا المسار من الانحراف والتشويه. فبدلًا من العمل على تطوير نماذج نظم حوكمة فعّالة تتلاءم مع طبيعة المجتمع السوري وتطلعات شعبه للخروج من أزماته، شهدنا شيطنة بعض هذه النماذج، وفي مقدمتها اللامركزية، حيث صُدّرت على أنها مشروع لتقسيم الوطن وتهديد لأمنه الوطني.

لقد أسهمت هذه التشوهات، في ظل الطفرة التكنولوجية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، في تشكيل تصورات خاطئة لدى بعض الشعوب والدول. بل إن بعض الجهات كوّنت مواقفها تجاه مكونات الشعب السوري أو تجاه الحراك الثوري نفسه، أو حتى تجاه المبادرات السياسية، استنادًا إلى روايات إعلامية مضللة، دون تمحيص أو نقد.

بدلًا من تخصيص ميزانيات لعقد مؤتمرات وورش عمل والاستفادة من الخبراء والباحثين لصياغة نماذج حوكمة رشيدة، وتهيئة الجماهير لفهم هذه المفاهيم والتعامل معها من خلال التمكين والتنمية، نجد العكس تمامًا: ميزانيات ضخمة تُنفق على حملات التضليل الإعلامي وتزييف الوعي، وتصدير تصورات لا تمتّ للواقع بصلة، حتى أصبحت شريحة واسعة من الناس تردّدها دون أن تعي معناها.

إن هذه الميزانيات، التي تُهدر على التضليل، كانت كفيلة بإعادة إعمار مدينة نموذجية توفّر حياة كريمة لأهلها، الذين أنهكتهم الحرب والإرهاب.

وفي ظل هذا الغزو المعلوماتي المضلل، يعاني الشعب السوري من حالة ضياع تام، وسط تدفق متواصل للمعلومات، سواء من الداخل أو من قِبل قوى وجهات دولية ذات مصالح وأجندات توسعية أو اقتصادية.

تُبنى السياسات الحالية على أسس تكتيكية وآنية، تهدف إلى فرض تصورات معينة لنظام الحكم على المدى القصير، لكنها تُمهّد، في الواقع، لفرض واقع جديد يمتد لعقود قادمة. وهنا تكمن الخطورة، إذ إن هذه المقاربات لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من التفكك والتشرذم، وانعدام الثقة بين مكونات الشعب الواحد، واتخاذ مواقف مسبقة بناءً على تصورات مشوهة لا أساس لها من الصحة.

ما لم يتم إدراك هذه المخاطر واحتواؤها بطرق حكيمة، فإنها ستُحدث شرخًا عميقًا في المجتمع السوري، وستُولد عداوات ترتبط بالهوية قد تمتد لعقود، وربما لقرون، خاصة في ظل العولمة، وواقع الاصطفافات الإعلامية والثقافية والعشائرية والقومية بين شعوب المنطقة، والممتدة عبر حدود الدول.

لذا، يكمن الحل في البدء بعملية عدالة انتقالية يقودها حكماء وأصحاب ثقة، والعمل على انتقال سياسي وفق الأسس المتعارف عليها دوليًا. إلى جانب ذلك، لا بد من تبنّي خطاب إعلامي رصين وهادف، يبتعد عن التضليل والتشويه، ويسهم في بناء وعي حقيقي يعيد للإنسان السوري ثقته بنفسه وبوطنه ومستقبله.

* ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في القاهرة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :