فوضى الكلام أم حرية أم طيبة (١)
أ.د. مصطفى محمد عيروط
05-09-2025 12:30 PM
المتابع لأحاديث مسؤولين سابقين عبر الإعلام، وخاصة "موضة البودكاست"، أو عبر قنوات التواصل الاجتماعي، يحتار في أمرهم، كوننا نحترمهم، ويبدو أنهم لم يتذكروا بأن الحديث في الإعلام يختلف كليًا عن حديث أشخاص أو في صالونات مغلقة أو محدودة. وهم يعرفون، والناس تتحدث عن صعودهم الوظيفي وحصولهم على امتيازات، وخاصة التقاعد العالي، مقابل موظفين خدموا سنوات طويلة بإخلاص ولم يحصلوا على تقاعد يكفيهم ومنخفض، ولم يفكر بعضهم في تعديل سلم رواتب العاملين والمتقاعدين وكان بيده القرار والتأثير.
أعتقد بأن الأحاديث التي صدرت من البعض ليس لها علاقة في الحرية المسؤولة والرأي والرأي الآخر، وليس لها علاقة في تبريرات لاحقة، وليس لها علاقة في منعهم من الحديث، ولكنها قد تدخل في الطيبة التي قد يتحدث فيها أي إنسان كان مسؤولًا عندما يخرج من الوظيفة، وتنتج عنها عواقب قد تكون شديدة التأثير عندما تُجتَزأ من الحديث جملة، وقد تكون ردة فعل على مؤسسات يُنظر إليها بأنها القلب والعمود الفقري والمركزي في أمن الدولة، والهيبة التي يُنظر إليها باحترام ومهنية عالية المستوى واحترامها في قدرتها على الاحتواء وعدم الإيذاء لأي معارض، بل معارضون وصلوا إلى مواقع تنفيذية عالية في الجهاز المدني والعسكري، ولأي إنسان، فسجلها نظيف وطنيًا وعالميًا، والأخلاق عالية والقيم الأخلاقية العالية، ولم يختفِ إنسان ولم تُسَلْ نقطة دم واحدة، ولم يتحول إنسان إلى رقم ويختفي أو يُزَجّ في الظلام لسنوات طويلة جدًا لمجرد تقرير كاذب أو اتهام كاذب أو تصفية حسابات شخصية، أو لأن شخصًا من مكون آخر.
فالأجهزة الأمنية، وفي مقدمتها المخابرات العامة، تمثل ركيزة الاستقرار الوطني، والتشكيك فيها أو تناولها قد يضعف ثقة المواطن وقد يجعله لا يشارك في انتخابات محسومة النتائج أو التشكيك في نتائج انتخابات نزيهة، وقد يمنح المجال للشائعات لتنتشر خصوصًا في زمن الأزمات. ومن المفروض لأي مسؤول سابق وحالي ومواطن أن يكون همه الأول الوقوف مع الوطن والنظام في مواجهة التحديات وعدم الوقوع في فخ يريده العدو في التشكيك والإشاعات والفتن.
فالمسؤول في رأيي، على رأس عمله أو المسؤول السابق، عندما يتحدث لا يمثل نفسه فقط بل يمثل الدولة وهيبتها. وأي زلة لسان بطيبة قد ينجر إليها عن قصد أو بغير قصد، فقد تستغل داخليًا وخارجيًا من ظلاميين إقصائيين يتصيدون في الدولة ومؤسساتها، وللقيام بضرب تحصينات الجبهة الداخلية القوية والتشكيك فيها. ومن يقرأ ويتابع ما يسمى الربيع العربي يأخذ العِبَر، وقد أعددت كتابًا في عام ٢٠١٢ بعنوان: "ربيع أم خريف عربي؟"، وهو خريف عربي.
المجتمع الطيب الشهم الأصيل بحاجة إلى حرية مسؤولة لا تتحول إلى فوضى، وإلى طيبة مقترنة بالحكمة لا بأحاديث انفعالية قد تُحدِث شرخًا بين المواطن ومؤسساته. فالثقة تبنى بالصدق والالتزام والشفافية، لكنها قد تُهدَم بكلمة عابرة قد تستغل وقد تسيء إلى مؤسسة أو مؤسسات بحجم الوطن.
دائمًا ومنذ زمن أتحدث بصراحة وضمن النقد البناء، ومما أسمعه بأن مشكلتنا إدارية، وكنا ولا زلنا نصدر الكفاءات للعالم، ولهذا فالحاجة ماسة إلى ثورة إدارية بيضاء، وخاصة في التعليم العام والعالي والجامعات. فالواسطة والمحسوبية والإرضاءات الشعبوية لها عواقب ليست جيدة، فالجامعات في العالم ليست لمنطقة وإنما في منطقة تساهم في التنمية، وعندما تتحول لمنطقة بمنطلقات إدارية ستقود حتمًا إلى تذمر من آخرين وتأثيرات اجتماعية.
أعتقد بأن المسؤولين السابقين والحاليين عليهم دور في رفع المعنويات وتشخيص المشكلة في أي مكان والسرعة في حلها.
الأمل من أصحاب القرار الاستماع إلى الميدان أكثر واتخاذ قرارات بثورة بيضاء إدارية.
والسؤال المطروح: هل الحديث هنا وهناك في الإعلام هو حرية تعبير أم فوضى كلامية تمس هيبة مؤسسات في الدولة؟