facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تعذيب الحيوانات بين سفّاح إربد وسفّاح الزرقاء


المحامية رزان الفاعوري
05-09-2025 01:35 PM

*جرس إنذار لتعديل التشريعات الأردنية

شهد الأردن في الاونه الاخيره حوادث مروّعة ارتبطت بحوادث تعذيب وقتل الحيوانات وتصوير هذه الافعال ونشرها على الإنترنت وأثارت صدمة عميقة في وجدان المجتمع. هذه الجرائم لم تأتِ فجأة، بل هي نتاج مسار نفسي وسلوكي طويل، يبدأ غالبًا من نقطة يستهين بها كثيرون: تعذيب الحيوانات. فالعلم الجنائي والنفسي يؤكد أن القسوة على الحيوانات تُعد من أوضح المؤشرات المبكرة لانحرافات سلوكية خطيرة، قد تتطور تدريجيًا لتتحول من قتل وتعذيب القطط والكلاب أو الحيوانات البرية إلى الاعتداء على الأطفال والنساء وكبار السن، ثم التدرج نحو جرائم قتل بشعة بحق البشر.

ورغم وجود منظومة تشريعية أردنية تحاول معالجة هذه الظاهرة، إلا أن النصوص القائمة لا تزال تعاني من قصور واضح في الردع. فقد نص نظام الرفق بالحيوان لسنة 2010 على تجريم القتل أو التسميم أو التعذيب أو إساءة معاملة الحيوان، كما منحت تعليمات التعامل مع الحيوان لسنة 2022 وزارة الزراعة الحق في ملاحقة من يقتل أو يضرب أو يحبس الحيوانات، وأحالت هذه الأفعال إلى المادة (56) من قانون الزراعة وإلى المواد (452 و472) من قانون العقوبات. أما قانون الزراعة لسنة 2015، فقد خصص المادة (57) لحظر قتل الحيوانات البرية أو صيدها دون ترخيص أو استعمال السموم أو ممارسة القسوة عليها، وفرض عقوبات بالغرامات والحبس والمصادرة. كذلك جاء قانون العقوبات الأردني ليجرّم في مادته (472) إساءة معاملة الحيوانات وتركها بلا طعام أو ماء، فيما شدد قانون حماية البيئة لسنة 2017 على العقوبات في حال المساس بالحياة البرية داخل المحميات، لتصل الغرامات إلى عشرين ألف دينار.

غير أن هذه النصوص، على أهميتها، بقيت في إطار عقوبات بسيطة أو غرامات زهيدة في غالبية الحالات. وهنا تبرز المشكلة الكبرى، إذ بات المجرمون أنفسهم على يقين أن القانون غير رادع، وأن أقصى ما قد يتعرضون له في حال ضبطهم هو مخالفة أو غرامة يسيرة. هذا الضعف التشريعي شكّل مظلة حماية غير مباشرة، سمحت بانتشار ظاهرة تعذيب الحيوانات وتكرارها بلا خوف من العقاب، الأمر الذي ساعد على تمادي بعض الأفراد وتحول سلوكياتهم إلى أفعال أكثر خطورة ووحشية، كما حدث مع سفّاح إربد وسفّاح الزرقاء.

والأخطر من ذلك أن هذه الممارسات لم تعد تجري في الخفاء، بل تحولت إلى وسيلة للتفاخر والتباهي. فقد صار بعض الأفراد يوثّقون جرائمهم عبر مقاطع مصورة وينشرونها على منصات التواصل الاجتماعي، إمّا بقصد جذب الانتباه والتفاخر أمام الآخرين، أو لغايات أبشع مثل بيعها في أسواق الإنترنت المظلم (الدارك ويب) حيث تُتداول مثل هذه المقاطع مقابل مبالغ مالية. هذا التوجه يضيف بعدًا جديدًا وخطيرًا للظاهرة، إذ لم يعد تعذيب الحيوان مجرد سلوك فردي شاذ، بل صار محتوى علنيًا يُعرض ويُستهلك ويُسوّق، ما يضاعف من احتمالية انتشاره وتقليد الآخرين له.

من زاوية علم النفس الجنائي، نجد أن تعذيب الحيوانات يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما يعرف بـ “مثلث ماكدونالد” الذي يحدد القسوة على الحيوانات كأحد المؤشرات المبكرة لاضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع. هذه الاضطرابات كثيرًا ما تتسم بالسادية واللذة في إيذاء الآخر، سواء كان حيوانًا ضعيفًا أو إنسانًا عاجزًا. ومن هنا نفهم أن التغاضي عن هذه الأفعال لا يعني فقط تجاهل انتهاك للرفق بالحيوان، بل يعني في جوهره تجاهل تحذير مبكر من انحرافات قد تنعكس لاحقًا على أمن المجتمع بأسره.

إن ما حدث في إربد والزرقاء ليس حوادث معزولة، بل هو جرس إنذار يجب أن يُسمع بوضوح. المطلوب اليوم هو تعديل التشريعات بشكل يجعل إساءة معاملة الحيوانات جريمة جنائية خطيرة بعقوبات رادعة تتناسب مع خطورتها، وليس مجرد مخالفة بسيطة. كما ينبغي أن يُلزم القانون بإحالة مرتكبي هذه الأفعال إلى تقييم نفسي شامل، باعتبار أن معالجة أصل الاضطراب النفسي لا تقل أهمية عن العقوبة القانونية.

الخلاصة أن ظاهرة تعذيب الحيوانات لم تعد مجرد قضية أخلاقية أو إنسانية، بل تحولت إلى قضية أمن مجتمعي. إن معرفة المجرمين أن القانون ضعيف وغير رادع شجّعتهم على الاستمرار والتمادي، ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتفتح لهم باب التباهي والتسويق. والمجتمع الذي يسمح باستمرار هذه الظاهرة هو مجتمع يهيئ الأرضية لولادة سفّاحين جدد. إن تعديل التشريعات وتشديد العقوبات لم يعد ترفًا أو خيارًا، بل صار ضرورة لحماية الإنسان قبل الحيوان، ولضمان أن لا يتكرر في الأردن ما ارتكبه سفّاح إربد وسفّاح الزرقاء.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :