فلسطين بين حل الدولتين ومشاريع الضم
صالح الشرّاب العبادي
05-09-2025 01:47 PM
*اختبار للنظام الدولي والموقف العربي
تشهد الساحة الدولية انقسامًا متزايدًا حول مستقبل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، خاصة بعد حرب غزة التي ما زالت مستمرة ، وما رافقها من تحولات استراتيجية أعادت طرح سؤال الدولة الفلسطينية بقوة على الطاولة ، قوى دولية، أبرزها الاتحاد الأوروبي ومعه أطراف من آسيا وأمريكا اللاتينية، تدفع باتجاه إحياء خيار حل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد لضمان أمن إسرائيل واستقرار المنطقة، هذا التوجه يرى أن أي تسوية تُقصي الفلسطينيين عن حقهم في دولة مستقلة ستفتح الباب أمام دورات متجددة من العنف، وتضع النظام الدولي أمام اختبار مصداقية خطير.
في المقابل، تبرز معسكرات أخرى، مدعومة من تيارات يمينية في إسرائيل وحلفاء نافذين في الولايات المتحدة، وبعض الدول المنفردة في العالم ، ترى أن الدولة الفلسطينية لم تعد خيارًا مطروحًا، وتدعو إلى بدائل مثل الحكم المحلي الإداري المحدود للفلسطينيين أو الضم التدريجي للضفة الغربية ، وإنشاء حكم عسكري في غزة بعد احتلالها او انشاء ادارة دولية مشتركة ، هذا الطرح، الذي يتغذى على القوة العسكرية والهيمنة الميدانية، يسعى لتكريس واقع استعماري طويل الأمد، متجاهلاً أن المقاومة في غزة والضفة أثبتت أن إرادة الشعوب قادرة على قلب معادلات الاحتلال.
أما الموقف العربي، فقد ظل تاريخيًا داعمًا لحل الدولتين كإطار جامع للشرعية الدولية ، لكن التطورات الأخيرة تكشف تحولات مهمة؛ إذ أصبحت اتفاقيات السلام التي وقعتها دول عربية ، ومعاهدات كامب ديفيد ووادي عربة، أدوات ضغط إقليمية ودولية على إسرائيل، بعدما كان يُنظر إليها بوصفها ضمانات استراتيجية لمصالحها ، اليوم، تتعامل هذه الدول مع الصراع من زاوية الحفاظ على استقرار المنطقة ووقف تمدده، وهو ما يضع إسرائيل في موقف دفاعي سياسي غير مسبوق.
من كامب ديفيد إلى أبراهام، تتحول معاهدات السلام تدريجيًا إلى أوراق ضغط على إسرائيل أكثر مما هي ضمانة لها ، فالتناقض بين خطاب إسرائيل في المحافل الدولية وسلوكها الميداني في غزة والضفة، جعل حتى شركاء الأمس يتساءلون عن جدوى التطبيع إن لم يسفر عن حل لقضية فلسطين ويؤدي إلى استقرار فعلي ، وهنا، يصبح المشهد أكثر تعقيدًا: فبينما تصر بعض القوى الغربية على حماية إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، تُدرك أطراف أخرى أن الانفجار المستمر في فلسطين سيظل يهدد بنية الأمن الدولي لعقود قادمة.
العرب والعالم أمام معركة غزة لا يواجهون فقط صراعًا مسلحًا، بل سؤالًا استراتيجيًا أكبر: هل يُفرض الحل السياسي وفق إرادة المجتمع الدولي وبالتالي الاعتراف بدولة فلسطين ، أم تنتصر وقائع القوة على حساب القانون الدولي وحقوق الشعوب؟ هذا السؤال سيبقى مفتوحًا ما لم تتبلور إرادة جماعية تضع حدًا للسياسات الأحادية، وتجعل من فلسطين قضية اختبار حقيقية للنظام الدولي برمته والعربي بشكل مباشر.