النقد من الداخل: مسؤولية أم إساءة؟
د. هاشم احمد بلص
05-09-2025 05:43 PM
في كل دولة تسعى إلى تحقيق التقدم والنهضة، تُعدّ الثقة بين المواطن والحكومة من أهم ركائز الاستقرار والتنمية، هذه الثقة لا تُبنى فقط على الإنجازات والسياسات، بل تتأثر كذلك بالسلوك العام للمسؤولين، سواء أثناء توليهم المناصب أو بعد مغادرتها. ومن المؤسف أن نلاحظ في الآونة الأخيرة ظاهرة غير صحية تتكرر، تتمثل في قيام بعض الشخصيات التي شغلت مناصب عليا في الدولة، بالخروج بتصريحات سلبية وانتقادات لاذعة تجاه الدولة ومؤسساتها بعد انتهاء فترات عملهم.
إن مثل هذا السلوك يطرح تساؤلات عدة حول النوايا والدوافع، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى تشويش الرأي العام، وإضعاف ثقة المواطنين في حكومتهم ومؤسساتهم، ويعزز مناخ الشك والانقسام، فكيف لشخصية كانت جزءًا من صنع القرار، بل واستفادت من موقعها، أن تنقلب على ذات المنظومة التي كانت تمثلها؟ وهل من الإنصاف أن تُحمَّل الدولة وحدها مسؤولية الإخفاقات، دون الاعتراف بدور الشخص نفسه في تلك المرحلة؟
النقد البناء مطلوب، بل هو ضرورة لتحسين الأداء وتصويب الأخطاء، لكن حين يتحول النقد إلى أداة لتصفية الحسابات الشخصية أو لخلق شعبية مؤقتة، فإنه يفقد قيمته الأخلاقية والوطنية، ويصبح عبئًا على الوطن لا وسيلة لإصلاحه.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى حقيقة جلية تتمثل في أن أغلب القرارات الكبرى والمصيرية في الدولة يصدرها جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي يتحمل عبء المسؤولية الشاملة في ظل ضعف بعض من يتقلدون مناصب عليا، وعجزهم أحيانًا عن اتخاذ قرارات حاسمة أو قيادة ملفاتهم بفعالية، لقد أثبت جلالته، إلى جانب سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، أن القيادة الهاشمية تمثل العمود الفقري للدولة الأردنية، وهي الضامن الأول للاستقرار السياسي والاقتصادي، والحريصة على مصلحة الوطن والمواطن في كل الظروف، رغم التحديات الداخلية والإقليمية المتراكمة.
وقد عبّر جلالة الملك عن هذا الحرص في أحد خطاباته قائلًا: "أعرف أن الأردنيين لا يرضون بأقل من الطموح، وأنا معهم في هذا، فهدفنا أن نبني أردنًا أقوى، واقتصادًا أفضل، وفرصًا أوسع، وهذا يتطلب العمل بشفافية وجدية ومسؤولية."
وهذا يعكس إصرار جلالته على الإنجاز، رغم كل ما يحيط بنا من صعوبات، ويحمّل الجميع مسؤولية العمل الوطني الجاد.
أما سمو ولي العهد فقد أكد في أكثر من مناسبة أهمية الالتفاف حول الدولة ومؤسساتها، مبينًا أن النقد لا يعني الهدم، بل التصويب والمشاركة، حيث قال في إحدى خطاباته: "أدعو الشباب إلى أن يكونوا شركاء حقيقيين في البناء، وأن لا يكتفوا بانتقاد الواقع، بل يسعوا لتغييره بأنفسهم، الوطن يحتاج كل يد مخلصة، لا كل صوت غاضب فقط."
ومن هنا، تبرز أهمية الالتفاف حول القيادة الهاشمية الحكيمة، التي تمثل صمام الأمان، والمرجعية الوطنية العليا التي حافظت على استقرار البلاد وسط إقليم مضطرب، وسعت دومًا لتعزيز النهج الديمقراطي، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وبناء دولة القانون والمؤسسات، إن تعزيز مفهوم المواطنة الحقيقية لا يكون بالوقوف على الأطلال أو الهجوم غير المسؤول، بل بالدفاع عن مصلحة الوطن، والمساهمة الإيجابية في بنائه، واحترام رموزه، ومساندة قيادته في مواجهة التحديات، فالوطنية لا تُقاس بحجم الشعارات، بل بحجم الالتزام بالفعل والقول الصادق، حتى في أصعب الظروف.
إن من يشغل منصبًا عامًا لا يُعطى فقط سلطة، بل يُحمَّل أمانة، ومسؤولية تاريخية وأخلاقية تستمر حتى بعد انتهاء خدمته، ومن الوفاء لتلك الأمانة أن يُحسِن القول، ويبتعد عن التجريح، ويضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.