يتكرر المشهد مع بعض العاملين الذين يكتفون بالحضور الشكلي إلى عملهم، يمارسون دور "لاعب الإحتياط" الذي ينتظر إشارات من الأخرين، ولا يقترب من دائرة الفعل الحقيقي. النتيجة واضحة، بطء الاداء، تراكم المعاملات، غياب روح المبادرة التي هي اساس التطوير. فالمؤسسة لا تتحرك تلقائيا بمجرد وجود أنظمة وتعليمات، بل تحتاج إلى أشخاص يُفعلون هذه الأنظمة ويحولونها الى واقع ملموس، هنا يتحدد الفارق بين من يختار أن يكون حاضراً وفاعلاً، وبين من يكتفي بموقعه وكأنه "لاعب إحتياط" يراقب من بعيد دون أثر حقيقي.
الحضور الشكلي في المؤسسة ليس نادراً، نرى موظفاً أو مسؤولاً يكتفي بالجلوس خلف مكتبه، ينتظر التعليمات، ويكتفي بما هو معتاد دون أي محاولة للتطوير أو التحسين. هذا النمط من الأداء يكرس الروتين، ويجعل المؤسسة تسير ببطء، رغم حاجتها الملحة للتجديد والمبادرة. وحين يختار البعض أن يكونوا على الهامش، يتحول عبء العمل الى القلة المبادرين، فتفتقد المؤسسة توازنها، وتضيع الفرص.
ومن التحديات التي تُضعف أي مؤسسة أولئك الذين يجعلون من مواقعهم وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة، فهم يعرقلون القرارات التي لا تخدمهم، ويستخدمون نفوذهم لبناء مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة، ولا سبيل لمواجة هذه الظاهرة إلا بالشفافية والمساءلة الواضحة، بحيث تقاس القيمة بالإنجاز لا بالمصالح، وتبقى المؤسسة محكومة بالكفاءة لا بالأهواء.
ولمعالجة ذلك لا بد من مراجعة شاملة للإجراءات الإدارية وإختصار التعقيدات التي تثقل الخدمة، بالتوازي مع ترسيخ ثقافة المساءلة التي تحدد بوضوح الصلاحيات وتربطها بنتائج قابلة للقياس. كما أن ربط الحوافز والترقيات بالإنجاز الفعلي لا بالاقدمية وحدها يفتح الباب أمام منافسة صحية تبرز الكفاءات وتمنحها حقها، والى جانب ذلك، يضل التدريب المستمر على المهارات الحديثة، وتوسيع إستخدام التكنولوجيا في التواصل والأرشفة والخدمات، ركيزة اساسية لتجديد الدماء في المؤسسة وتجاوز بطء الروتين، ولا تكتمل الصورة إلا بفتح المجال أمام المبادرات الفردية والجماعية، وتحويل الأفكار الى مشاريع قابلة للتنفيذ تُحدث أثراً ملموساً في الخدمة العامة، هكذا تنتقل المؤسسة من ثقافة الإنتظار الى ثقافة الإنجاز، ويصبح كل موظف لاعباً أساسياً في مسيرة التطوير.
إن المؤسسات لا تبنى على الأنظمة والتعليمات فقط، بل على وعي موظفيها وبدورهم الحقيقي، فمن يكتفي بموقعه "الاحتياط" يترك فراغاً يضعف الأداء، بينما من يقرر أن يكون حاضراً بجهده وفكره ومبادرته، فهو من يصنع الفارق، ويحافظ على مسار المؤسسة نحو خدمة الوطن والمجتمع بكفاءة واستقامة.