القرارات والاجراءات واللقاءات والاستعراضات ،التي شهدتها الساحة الدولية خلال الفترة الماضية ، تعطي مؤشرا قويا ،على ان دول العالم الفاعلة، ( تتحضًر وتستعد ) وتدخل مرحلة تعبئة عسكرية واضحة تحاكي اجواء ما قبل الحروب الكبرى ،وتعيد رسم سياساتها ومواقفها واصطفافاتها،تحسبا لتطورات دراماتيكية قادمة.
ولعل الرسالة الغامضة التي وجهها الرئيس الامريكي دونالد ترامب الى العالم موخرا ، وقال فيها حرفيا ( لا شيء يمكنه ان يوقف ما هو قادم ) تُقدم جزءا من الصورة، التي يمكن ان تتشكل خلال الاشهر والسنوات المقبلة، وصولا الى مرحلة يتم فيها، تجذير حالة ( الردع ) المتداعية ، او تعزيز فرص ( الحرب) المتسارعة، وهي الرسالة التي جاءت قبل ايام من قرار تغيير اسم وزارة الدفاع الامريكية الى وزارة الحرب، في خطوة سياسية تعكس الذهنية القائمة على الاستعداد الفعلي لاستخدام القوة.
فمنذ انتهاء الحرب الباردة مطلع تسعينات القرن الماضي، لم تكن ( اعصاب ) مراكز صناعة القرار في العالم مشدودة كما هي الآن، ولم تُتخذ قرارات او اجراءات، كتلك التي نعيشها هذه الايام ، سواء على مستوى تصعيد خطاب التهديد ( النووي ) او العودة الى ( سباق التسلح ) وانهيار الاتفاقيات التي عالجته عمليا خلال السنوات الثلاثين الماضية.
ففي اوروبا ، اعلنت المانيا - في تحول تاريخي - مضاعفة ميزانيتها للدفاع لتصل الى ٣،٥٪ من ناتجها القومي الاجمالي، وقررت اعادة العمل بالتجنيد الاجباري ، فيما اعلنت بريطانيا اكبر زيادة مستدامة في انفاقها العسكري، منذ الحرب انتهاء الباردة لتصل الى ٢،٥٪ من الناتج المحلي ، وصولا الى ٣٪ لاحقا، في الوقت الذي تعتمد فيه فرنسا مفهوم ( اقتصاد الحرب) وتجري تدريبات على التعبئة الوطنية، وتحضير المستشفيات لاستقبال عشرات الاف من الجرحى في حالات الطواريء ، وتشير الارقام الى ان الاتحاد الاوروبي رفع انفاقه العسكري خلال العام الماضي الى مستوى قياسي بلغ ٣٤٣ مليار يورو بزيادة بلغت ١٩٪.
ولم تتوقف هذه الاستعدادات عند المعسكر الغربي ، بل تزامنت مع رسائل ( خشنة ) من الطرف الاخر ، فروسيا تعلن انها تمتلك صواريخ جديدة قادرة على ضرب اي عاصمة اوروبية في غضون دقائق، وتلوًح باستخدام النووي ، والصين تستعرض قبل ايام قوتها العسكرية ( النووية ) الفائقة ( الجوية والبرية والبحرية ) وصواريخها الفرط صوتية ، بحضور ( رؤساء الصين وروسيا وكوريا الشمالية ) وهو الامر الذي اثار غضبا امريكيا كبيرا ،،، واقليميا تركيا تبني ملاجىء في عموم ولاياتها تحسبا للحروب ، وتُطور صناعتها العسكرية بصورة لافتة، واسرائيل تجري صيانة للملاجيء وتعزز مخزونها الغذائي.
التقارير البحثية الصادرة عن معهد ( ستوكهولم SIPRI) والاستخبارية المتبادلة ، تؤكد ان انهيار اتفاقيات ضبط التسلح ، ادخلت العالم في سباق تسلح جديد ، ودفعت جميع القوى النووية الى توسيع ترساناتها في آن واحد ، فيما تؤكد استطلاعات الرأي العام التي اجريت هذا العام، ان اكثر من نصف مواطني الدول الكبرى يعتقدون ان حربا عالمية ثالثة من المتوقع ان تندلع خلال السنوات القادمة.
كل ما سبق يعني ، ان سباق التسلح قد آفاق من سباته ، وان الحرب الباردة اطلت برأسها من جديد ، وسنرى ترجمتها في ( حروب الوكالة ) ، وفي التحالفات الجديدة التي ستنشأ ، لذلك فان امكانية حدوث الحروب الاقليمية ستبقى قائمة ، والحرب الكبرى ربما تندلع في نهاية المطاف جراء سوء الحسابات.
وبما اننا جزء من هذا العالم الذي يتحضر و ( يتعسكر ) من جديد ، فان على الدول العربية ان لا تقف موقف المتفرج على كل ما يجري ، سواء على مستوى ( الجهوزية ) والاستعداد، و وضع الخطط الاستراتيجية الخاصة بالتعبئة الوطنية الوطنية ، وامتلاك السلاح ، وبناء الملاجيء ، وتوفير المخزون الاستراتيجي من الغذاء ،،، او على مستوى التحالفات والاصطفافات وقراءة المشهد الدولي من مختلف جوانبه، والتحضير لتقلباته ومفاجآته منذ الآن ، داخليا وخارجيا ؟.
theeb100@yahoo.com