البيانات كقوة دافعة للتحول المؤسسي والوطني
د. أحمد العقيلي
08-09-2025 10:50 AM
في عالم يشهد ثورة رقمية متسارعة، أصبحت البيانات المحرك الأساسي لتطور الاقتصادات وبناء المجتمعات الحديثة. فهي لم تعد مجرد أرقام أو ملفات محفوظة، بل تحولت إلى ركيزة استراتيجية قادرة على رسم السياسات وتوجيه القرارات وصناعة القيمة المضافة. التجارب الدولية تؤكد أن التحول الرقمي ليس مجرد تحديث للتقنيات أو الأنظمة، بل هو تحول شامل يعيد تعريف طريقة تقديم الخدمات الحكومية، ويغير من نماذج الأعمال التقليدية، ويفتح آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
على المستوى العالمي، يشير خبراء مثل Gartner وWorld Economic Forum إلى أن نجاح المؤسسات أصبح مرتبطًا بقدرتها على بناء أنظمة متقدمة لإدارة البيانات توازن بين الحوكمة الصارمة والمرونة في الابتكار. إلا أن الطريق إلى ذلك ليس سهلًا، إذ ما تزال الكثير من المؤسسات تواجه تحديات تتعلق بالاعتماد على بنية تحتية قديمة وصعوبة تكامل الأنظمة ونقص الكفاءات المتخصصة. كما أن المنافسة العالمية على المواهب في مجالات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي تشكل نزيفًا مستمرًا، حيث تسعى كبرى الشركات التقنية إلى استقطاب أفضل الخبرات بعروض مغرية يصعب على المؤسسات الصغيرة أو الحكومات مجاراتها. هذه التحديات تعكس واقعًا عالميًا يتقاطع مع ما يواجهه الأردن في سعيه للتحول الرقمي.
في الأردن، يشكل إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي 2026–2028 إطارًا طموحًا لمعالجة هذه التحديات وتحويلها إلى فرص. فهي تركز على بناء بنية تحتية رقمية متقدمة، وتوفير خدمات حكومية ذكية، وتعزيز بيئة تشريعية وتنظيمية مرنة. كما تولي أهمية خاصة لحوكمة البيانات الوطنية، باعتبارها حجر الأساس لصنع القرار المستند إلى الأدلة، وضمان موثوقية وجودة البيانات، بما يمكّن من تطوير سياسات دقيقة وفعالة. هذه الحوكمة تضع الأردن أيضًا على الطريق الصحيح نحو الجاهزية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، إذ إن أي استخدام فعّال لهذه التطبيقات يتطلب بيانات موثوقة ومنظمة وآمنة.
ولا يقتصر أثر هذا التوجه على تحسين كفاءة المؤسسات الحكومية، بل يفتح المجال أمام نمو قطاعات اقتصادية جديدة مثل التجارة الإلكترونية والخدمات المالية المبتكرة والصناعات الرقمية. كما يعزز ثقة المجتمع من خلال حماية الخصوصية وضمان الأمن السيبراني، ويضع الأردن في موقع متقدم إقليميًا كمركز للابتكار والتحول الرقمي.
إن نجاح هذا المسار يعتمد على التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأكاديمية، وعلى استثمار الطاقات الشبابية وتوطين التكنولوجيا. ومع استمرار تنفيذ الخطة التنفيذية، يمكن للبيانات أن تتحول إلى رافعة حقيقية للتنمية المستدامة تدعم الاقتصاد وتثري حياة الأفراد وتضمن للأردن مكانة رائدة في المشهد الرقمي العالمي.
* مدير مركز المعلومات الوطني للعلوم والتكنولوجيا