الأردن ودبلوماسية التوازن في عالم مضطرب
عبداللطيف الجمل القطامين
08-09-2025 01:34 PM
لم يعد العالم يشبه الأمس. الخرائط ترتجف تحت وقع الحروب، والأقطاب الكبرى تتناحر على النفوذ، والأنظمة الدولية تتشقق أمام أعين الجميع. وسط هذا الضجيج الجيوسياسي، ينهض الأردن كصوت عاقل وعقل استراتيجي يعرف كيف يحوّل الفوضى إلى فرصة، وكيف يجعل من "دبلوماسية التوازن" سلاحًا يحمي السيادة ويصون الثوابت الوطنية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية.
في زمن تتسابق فيه العواصف، لا يملك الأردن رفاهية الانحياز الأعمى لهذا الطرف أو ذاك؛ بل يملك رصيدًا تاريخيًا وخبرة سياسية تمكّنه من أن يكون لاعب التوازن، وحارس الاستقرار، وصاحب الصوت المسموع في معادلة لم تعد تحكمها قوة واحدة ولا قرار منفرد.
على المستوى السياسي، لم تعد الولايات المتحدة اللاعب الأوحد في المنطقة، فقد برزت قوى صاعدة كالصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي. تنويع الشراكات مع هذه القوى يفتح للأردن أفقًا أوسع للمناورة، ويسمح بتعزيز الموقف الوطني تجاه فلسطين، بعيدًا عن اختزالها في مفاوضات غير عادلة. فالقضية الفلسطينية اليوم يمكن أن تُطرح في إطار حقوقي وإنساني عالمي، يجعلها قضية عدالة وليست مجرد نزاع إقليمي.
اقتصاديًا، يمكن للأردن الاستفادة من المشاريع الكبرى مثل مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والانفتاح على التعاون الإقليمي مع العراق وسوريا وفلسطين في مجالات الطاقة والمياه والنقل. هذه الشراكات تعزز الأمن الاقتصادي وتخلق واقعًا جديدًا من الترابط الإقليمي الذي يتجاوز الصراع التقليدي.
أما على مستوى القضية الفلسطينية مباشرة، فإن تراجع مركزية "عملية السلام" الأمريكية يتيح فرصة لإعادة صياغة الخطاب الدولي من جديد. كما أن الانقسام الإسرائيلي الداخلي يشكل نافذة للفلسطينيين لإعادة ترتيب البيت الداخلي وتحقيق المصالحة الوطنية، بدعم عربي يقوده الأردن.
الدور الاستراتيجي للأردن يتجلى في امتلاكه أوراقًا فريدة:
ورقة الاستقرار: حيث يُنظر إلى الأردن باعتباره عامل استقرار أساسياً في محيط مضطرب.
الوصاية الهاشمية: ليست عبئًا بل مصدر قوة سياسية وروحية تمنح الأردن موقعًا استثنائيًا في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وتعزز حضوره في العالمين العربي والإسلامي.
القوة الناعمة والدبلوماسية: السمعة الدولية للأردن ونهجه المعتدل جعلاه وسيطًا مقبولًا قادرًا على إدارة التوازنات حتى بين القوى المتصارعة.
الخلاصة أن الأردن أمام لحظة دقيقة، لكنه يملك من الخبرة والرصيد الدبلوماسي ما يؤهله لتحويل الاضطراب العالمي إلى فرصة.
ومن خلال دبلوماسية التوازن يستطيع أن يحمي مصالحه الوطنية ويعزز مكانته الإقليمية ويواصل دوره الثابت في الدفاع عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية حق وعدالة إنسانية.