نحو أحزاب استباقية تشاركية
ميس القضاة
25-09-2025 01:59 AM
في عالم تتزايد فيه الأزمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، لم يعد الدور التقليدي للأحزاب السياسية في التمثيل البرلماني وخوض الانتخابات كافيًا، فمجرد نقل صوت الناخبين إلى البرلمان لا يضمن الاستعداد للمستقبل، ولا يمنح العمل البرلماني والسياسي المرونة لمواجهة المتغيرات السريعة. هنا يظهر الدور المحوري للاديمقراطية التشاركية، التي لا تُعد ترفًا سياسيًا، بل آلية لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والأحزاب، وتجديد الشرعية السياسية التي تآكلت بفعل محدودية قنوات المشاركة، حيث أن إشراك الشباب والنساء والمجتمع المدني في صياغة الرؤى والسياسات يوسع مساحة التمثيل، ويحوّل البرلمان من ساحة مغلقة للنخب إلى فضاء عمومي تشاركي، يصبح فيه المواطن شريكًا في صناعة المستقبل لا مجرد متلقٍ للقرارات.
في الوقت نفسه، يقدم الاستشراف الاستراتيجي للأحزاب أدوات فكرية ومنهجية لصياغة سيناريوهات متعددة للمستقبل، واختبار قدرة السياسات على الصمود أمام صدمات محتملة مثل البطالة، الأزمات الصحية، التحولات الرقمية، أو التغير المناخي، حين تدمج الأحزاب هذه الأدوات في برامجها وممارساتها البرلمانية، تتحول إلى قوة استباقية تعيد صياغة دورها السياسي، وتمنح المؤسسة التشريعية بُعدًا يتجاوز التشريع والرقابة إلى هندسة المستقبل نفسه.
عبر الجمع بين البعدين التشاركي والاستشرافي، تتحول الأحزاب إلى جسر يربط بين المجتمع والبرلمان. ورش العمل التشاركية، المجالس الاستشرافية، والمنصات الرقمية للحوار المجتمعي ليست مجرد أدوات تقنية، بل آليات لإعادة توزيع القوة وإتاحة المجال أمام فئات طالما همّشتها السياسة التقليدية. هذا الدمج يمنح البرلمان مرونة أكبر في مواجهة الأزمات المفاجئة، ويُعيد تعريف الديمقراطية بوصفها ممارسة مستمرة وقادرة على الابتكار، لا مجرد انتخابات دورية.
التحدي الأكبر للأحزاب اليوم لا يقتصر على الفوز بالانتخابات أو تشكيل الحكومات، بل على قدرتها على استشراف المستقبل وتوسيع المشاركة الشعبية، حيث أن الأحزاب التي تدمج بين الاستباق والديمقراطية التشاركية تؤسس لنموذج جديد من الفعل السياسي، يحوّل البرلمان من مؤسسة تفاعلية إلى مؤسسة استباقية، ويعيد صياغة الديمقراطية باعتبارها مشروعًا دائمًا لبناء المستقبل المشترك.