فكر الغوغاء يقوم على الإقصاء، واحتكار الحقيقة، وتخوين كل رأي مخالف، فما بالك عندما تتدخل الأدلجة العقائدية في هذا الفكر المنحرف، فيصبح الكفر والزندقة واستحلال الدم والمال مباحا.
ففي كل الأمم والشعوب التي حاربت أعداءها ( بلا استثناء)، بما فيها الدول العظمى، ودولة الاحتلال، كان هناك دائما رأي آخر ، هو رأي العقل، يعارض الحرب، ويتوقع نتائجها، ويذكر مآسي الحروب، وويلاتها ومع ذلك يسمع رأيه ويبرز ويكون محل اعتبار في قرار الحرب والسلم، إلا في هذه البلدان المسخوطة، إذا لم تصفق لحرب تعلم مآلها، ومستقرها فأنت خائن وعميل وكافر زنديق.
وحتى بعد أن تضع الحرب أوزارها، أو تكاد، فلا يجوز لك الحديث عن نتائجها، فالمطلوب أن تتحدث عن نصر مؤزر قد تحقق، وأن الإنتحار والدمار والتيه، والضياع، كلها أضحت من فضائل زمن الغوغاء الضال المضل.
الكثير من الدول دخلت حروبا مصيرية بلا إعداد ولا استعداد تحت تأثير سوط الغوغاء والغباء، وتغييب العقل والرأي الآخر، وخسرت كل شيء رغم أنها كانت تدرك نتائج الحرب التي كانت معروفة ومحسومة منذ البداية، وإن القاعدة الفلسفية العقلية التي رافقت كفاح كل الشعوب مع المحتل على مر التاريخ كانت تقوم أن الحرب التي لا تهدف إلى تحرير الأرض هي حرب تحريك، أو حرب عبثية، وما حروب ضياع فلسطين في النكبتين عنا ببعيد.
إن مقارعة المحتل الغاصب عمل مقدس، كفلته كل المواثيق الدولية، والمبادئ الإنسانية السامية، لكن هذا لا يعني الإنتحار بأية حال، إذ لا بد أن يكون الهدف من الحرب هو تحرير الأرض، ودحر المحتل، وان يكون لهذا الهدف نصيب من الواقع والتوقع، أما إذا كان الواقع وموازين القوى مختلا الى حد يجعل التحرير من المحال، فأنت تخوض حربا وتحرق الأخضر واليابس بلا هدف، ولا غاية، ولا رسالة وبالمقابل تكشف كل خططك، وأدواتك ووسائلك، وتنبه عدوك إلى مكامن ضعفه، إلى حد لا تقوم لك بعدها قائمة، وما كان يعيبك لو تأخرت ،او هادنت، فما أنت بأشجع، ولا أفضل من أهل الحديبية، ولكن يبدو في حالتنا المؤلمة أن مشاغلة العدو في هذا الزمن بالذات كان متطلبا إجباريا لإنجاز بعض المشاريع النووية، حتى لو كان الثمن ما ترون .
وختاما.
(( لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.
ولا سراة إذا جهالهم سادوا.)).
والله المستعان على ما تصفون.