مهما علا شأن هذا الرجل في عالم السياسة، فأنه سيبقى بنظر الفلسطينيين، وكثيرا من العرب، شخصاً جدلياً، بل غير موثوق، بعد أن دمّر دوره في الحرب على العراق، سمعته في الشارع العربي، إذ لا زال كثيرون في المنطقة يستحضرون وجوده بعودة الإرث الاستعماري القديم.
ربما يكون التفاؤل الوحيد في هذا المقام، هو صلته الوثيقة مع ترامب، الذي يريد أن يحقق حلمه بنوبل للسلام، بعد أن أقنع بلير الرئيس الأمريكي، بأن حل مشكلة فلسطين وإسرائيل، تحتاج إلى معالجة عميقة، باعتبارها أحد محركات الأصولية والتطرف، ووفق الشرعية الدولية، وانها (القضية الفلسطينية) دون المشاكل الاخرى في العالم، هي التي سوف تمنحه فرصة الحصول على تلك الجائزة، بإعتبار أن البيت الأبيض هو صاحب القرار ، حين يتعلق الأمر بالميل نحو الحرب أو السلم في غزة، ورغم شراسة معركة الوعي التي أدارها نتنياهو، خلال مرحلة الحرب، إلا أنه كان يعلم تمام العلم، أن وقفها هو قرار امريكي صرف، وهو ما أعاد إسرائيل لواقعها السياسي ، وهذا ما غدا يدركه نتنياهو بالتحديد ، بعد أن لمس نفاذ صبر ترامب ، وبعد أن لاحظ الاخير، أن هدف نتنياهو من الحرب ، لم يكن سوى طرد سكان غزة عبر تدمير بنيتها التحتية ، وجعلها مكانا لا يصلح للحياة ، هذا جعل قائمة أمنيات نتنياهو ومعه متطرفو الحكومة تتهاوى على غير رغبة منهم.
يخشى نتنياهو أن تكون الكلمة الفصل في غزة بدعم من ترامب ، بيد بلير تحديدا ومعه مجلس السلام والقوة الدولية ، التي يقودها بلير، لإقرار تحول اقليمي ودولي ، يصعب فيه تجاوز الفلسطينيين ، بعد عقود طويلة من إقناع إسرائيل للغرب ، بإمكانية إدارة الصراع دون التوصل إلى نتائج ، وهو الأمر الذي جعل خطة ترامب، متناقضة مع تخيلات اليمين المتطرف في الحكومة ، الذي لم يكن يرى في شعار النصر المطلق ، إلا التهجير القسري لسكان القطاع.
حاول نتنياهو كما قال ، أن يقلب الطاولة على حماس ، وهندس الخطة بطريقة توحي ، أن القرار النهائي سيبقى بيدها ، إلا أن رد حماس المتوازن وغير الانفعالي ، أذّن ببداية معركة سياسية ، تتطلّب تغيير قواعد الاشتباك السياسي ، عبر نزع الغطاء الأخلاقي عن واقع الاحتلال.
واضح أن حماس أدركت منذ صدور الخطة ، أن نتنياهو أراد استدراجها إلى فخ الاستفزاز ، فقابلته ببناء موقف متعدد الطبقات ، شكل صدمة كبيرة لنتنياهو ، وأفسد عليه المسرح الذي أعدّه لتمرير الخطة وجعل بلير الحاكم القادم لغزة ، مضطراً لاستدعاء المرجعيات القانونية الدولية في مثل هذه الأحوال، خاصة وان حماس بردها ذاك ، بدت وكأنها تدافع عن الشرعية الدولية ، قبل دفاعها عن حقوق الفلسطينيين.