في عالمٍ يملؤه الصخب، يكون الصمت أحيانًا أقوى صوت.
الفن العربي والخليجي الهادئ ليس مجرد لون على الجدار، بل بيان سياسي يقرأه المجتمع قبل الدولة. يعيش المبدعون بين تحولات السياسة والحياة اليومية، يختارون التعبير بلغة اللون والخط والرمز والنور، وفنهم ليس ترفًا جماليًا، بل أداة لتشكيل الوعي وصناعة المستقبل بصمتٍ أعمق من الخطابات.
ليلى عجاوي، فنانة فلسطينية أردنية من مخيم إربد، حوّلت الجرافيتي إلى منصة للكرامة والعدالة، حيث تنطق جدرانها بما لا يُقال في المنابر.
لورانس أبو حمدان، من عمّان، يستخدم الصوت والفن المفاهيمي لكشف آليات السلطة والمراقبة، محوّلًا الصوت إلى وثيقة إنسانية وسياسية.
ومن الإمارات، شمة البستكي تمزج الشعر بالفن البصري لتروي حكاية المجتمع والهوية من منظورٍ إنساني عميق، حيث تتحول القصيدة إلى مساحة حوار ثقافي.
أما لطيفة سعيد فتغوص في ذاكرة التراث الإماراتي، وتعيد صياغته عبر أعمال تركيبية توازن بين الأصالة والحداثة، لتضع المشاهد في مواجهة تساؤلات عن الذات والزمان والمكان.
ونجاة مكي، الرائدة في الفن التجريدي الإماراتي، جعلت من اللون وسيلة للتأمل في الإنسان والطبيعة، مقدّمة رؤى تشكيلية تمثل الصمت الجميل الذي يحمل موقفًا دون صخب.
حتى في بغداد، خلال احتجاجات 2019، تحوّل الفنانون إلى صوت الناس، حيث صارت الجدران معارض مفتوحة للحرية والكرامة، امتدت أصداؤها إلى عمّان ودبي والشارقة.
هذه النماذج تؤكد أن الهدوء لا يعني الغياب، بل الحضور الواعي. الفنان الهادئ يمارس السياسة دون أن ينتمي إلى حزب، ويوجّه النقد دون إعلان.
إنه الوعي المتقد في صمتٍ نبيل، يشبه لحظة التأمل قبل الانفجار الإبداعي، ويجعل من الفن أداة للسلام والرفض في آنٍ واحد.
الفن ليس هروبًا من الواقع، بل محاولة لإعادة تشكيله؛ الفعل الأعمق الذي يتحوّل فيه الجمال إلى موقف، واللون إلى وعي، واللوحة إلى وثيقة إنسانية وسياسية.
إنه الصمت الذي يصنع المستقبل، والهدوء الذي يترك أثرًا أعمق من أي خطاب جهوري، شبه روائع تتأرجح بين الشرق العربي والخليج، بين المدن والوجوه، بين كل لحظة وصمتها.
الفن هو الهدوء الذي يصنع المستقبل