facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العنف الجامعي- منبر مغلق وحوار مفقود


ميس القضاة
17-10-2025 01:21 PM

إنّ المشاجرات الطلابية في الجامعات الأردنية ليست مجرد سلوك فردي أو خلاف لحظي يمكن تجاوزه بإجراءٍ تأديبي أو حملةٍ توعوية مؤقتة، هي أيضاً مؤشر على خللٍ هيكلي عميق في بنية التعليم الجامعي الإنساني والاجتماعي، فحين يُترك الطالب في فراغٍ فكري وزمني داخل المؤسسة الأكاديمية، دون برامج تفاعلية أو حوارات فكرية تُشبع حاجاته العقلية والانفعالية، يصبح أكثر عرضة للتأثر بالعصبيات الضيقة والانجراف نحو السلوك العدواني بوصفه وسيلة لإثبات الذات أو الانتماء.

لقد تحولت بعض الجامعات من فضاءات للفكر إلى بيئات جامدة تفتقر إلى الحيوية الثقافية والسياسية، حيث ينحصر النشاط الطلابي في إطارٍ إداري أو احتفالي لا يعكس اهتمامات الشباب ولا يستجيب لتحدياتهم الواقعية، ومع تراجع دور الأندية والاتحادات الطلابية كمنابر للحوار والنقاش، نشأ فراغٌ اجتماعي ملأته الهويات الفرعية، فأصبحت الخلافات بين الطلبة تُدار بعقلية "النصرة والانتصار" لا بمنطق الحوار والإقناع.

العنف الجامعي، بهذا المعنى، هو نتاج لغياب المشروع التربوي الجامعي القائم على بناء الإنسان لا فقط على نقل المعرفة، فالمناهج التعليمية ما زالت تميل إلى الحفظ والتلقين بدلاً من النقد والتحليل، ولا تتيح للطلبة مساحة حقيقية للتعبير عن آرائهم أو ممارسة التفكير المستقل، كما أن العلاقة بين الطالب والإدارة كثيرًا ما تُبنى على السلطة والانضباط لا على المشاركة والمسؤولية، مما يخلق شعورًا بالاغتراب ويدفع بعض الطلبة إلى التمرد بأساليب غير بنّاءة.

إن معالجة العنف الجامعي لا يمكن أن تكون أمنيّة أو تأديبية فقط، وإنما تتطلب إعادة بناء الثقافة الجامعية على أسس حوارية وتشاركية، فالجامعة ليست مجرد مكان لتلقي المحاضرات، ولكنها بيئة لإنتاج الفكر وإدارة الاختلاف بطرق حضارية. ومن هنا، يمكن أن يشكل العمل الحزبي الجامعي المنظم أحد أهم المفاتيح لحل هذه الأزمة، إذ يتيح للطلبة إطارًا مؤسسيًا للنقاش والمنافسة الفكرية بعيدًا عن الصدام الجسدي، فالحزب، بطبيعته، يقوم على الحوار واحترام الرأي الآخر، ويمنح الشباب فرصة لتصريف طاقاتهم في مجالات سياسية واجتماعية واعية بدل أن تتحول إلى عنفٍ عشوائي.

إذا ما أُعيد تنظيم العمل الحزبي داخل الجامعات وفق ضوابط واضحة تضمن الحياد الأكاديمي والحرية الفكرية، يمكن حينها تحويل الحرم الجامعي إلى مساحةٍ آمنة للتفاعل بين الاتجاهات المختلفة، حيث يتعلم الطلبة قيم الاختلاف والتنوع ويختبرون معنى المشاركة والمسؤولية الوطنية حيث أنّ الأحزاب الجامعية لا تعني تسييس التعليم، إنما تحويله إلى تربية مدنية تُعلّم الجيل الجديد كيف يُعبّر عن قناعاته بطرق سلمية ومؤسسية، وكيف يكون الخلاف قوةً لا تهديدًا.

العنف الجامعي في جوهره أزمة وعي وانتماء، وحلّه لا يكون بالعقاب، ولكن بإعادة صياغة الدور التربوي للجامعة كمؤسسة فكرية وثقافية.، فإذا امتلك الطالب منابر للحوار وفرصًا للتفكير والمشاركة، لن يجد حاجة للعنف كوسيلة للتعبير، أما حين تُغلق الأبواب أمام صوته، فإن الانفجار يصبح حتميًا. ومن هنا، فإن إصلاح التعليم الجامعي، وإعادة الاعتبار للأنشطة الثقافية والحزبية والحوارية، تمثل الطريق الحقيقي نحو جامعةٍ إنسانية تُخرّج مفكرين ومواطنين، لا مجرد حملة شهادات.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :