"باشان" ليست غريبة .. الحجارة الأردنية تعرف تاريخها
د. جاسر خلف محاسنه
20-10-2025 09:05 PM
ثمة من يفتّش في الغبار عن أسماءٍ منسيّة، يوقظها من رمادها ليرسم بها خريطةً جديدة.
يقولون "باشان" كأنها وعدٌ قديم ضاع، أو ميراثٌ لم يُسلَّم.
لكنهم ينسون أن "الباشان" لم تكن يومًا غريبةً عن هذه الأرض، بل كانت امتدادًا طبيعيًا لأرض الأردن قبل أن تُطلق عليها هذه التسمية.
إنها الحيلة القديمة ذاتها؛ أن يُنتزع الاسم من موضعه ليُزرع في نوايا الآخرين، أن يُقال إن التاريخ يبدأ من النصوص لا من الحجارة.
لكن الحجارة الأردنية تعرف تاريخها، فهي لا تُصغي للسياسة، بل للزمن.
"الباشان" كانت امتدادًا طبيعيًا لهذه الأرض، فصلٌ من تاريخ هذا "البلاتوه" العظيم، تلك الهضبة العالية الممتدة من اليرموك إلى معان، حيث الحمم التي بردت فصارت تربة،
وحيث الماء الذي شقّ الصخر فصار واديًا.
كانت الاسم القديم للخصوبة والعلو، وحين تغيّر الاسم، بقيت الروح في موضعها.
واليوم، حين تُستعاد "باشان" في خطابٍ مشبوه، فإن المقصود ليس التذكير بالتاريخ، بل العبث بالجغرافيا.
يريدون للأردن أن يشكّ في جلده، أن يتساءل عن جذوره، لكن الأردن هو الامتداد لا الطارئ، هو الذي بقي حين تغيّرت الرايات، وحمل ذاكرة المكان وصوت الإنسان.
كل شعبه يقول الشيءَ ذاته: إن التاريخ ليس وثيقةً، بل نبضُ أرضٍ حيّةٍ لا تنام.
فليقل الغريب ما يشاء، فعندما تهبّ الريح، يعرف الحجرُ إلى أي وطنٍ ينتمي، ويعرف أنهم مهما حاولوا، لن ينتزعوه من صدر "البلاتوه" الأردني، لأنه ليس فكرةً، بل دمٌ يسري في عروق الارض والقيادة التي تحميها.
ومن واجبنا، في وجه هذا العبث الناعم، أن نُذكّر العالم أن الأردن لا يُختزل في كلمةٍ تُستدعى من كتبٍ عتيقة، بل هو أمةٌ قائمةٌ على أرضها، تعرف من أين جاءت، وإلى أين تنتمي.