من الجنوب إلى الشمال… خارطة طريق جديدة لإحياء السياحة
المهندس مازن الفرا
24-10-2025 11:17 PM
يملك الأردن كنوزًا طبيعية لا تُقدّر بثمن، تمتد من شلالات مَعين الدافئة إلى ينابيع الحِمّة الكبريتية مرورًا بوادي الحَسَا الساحر، لكنها ما تزال بعيدة عن استثمارها الحقيقي كوجهات سياحية عالمية.
في الوقت الذي نجحت فيه مصر في تحويل الغردقة وشرم الشيخ إلى علامات سياحية بارزة على خريطة العالم، ما يزال الأردن يملك الإمكانيات ذاتها وربما أجمل، لكن دون خطة متكاملة تجمع بين الاستثمار، والبنية التحتية، والترويج السياحي الحديث.
تنوع المناخ… سياحة على مدار العام
يتميّز الأردن بمناخٍ قاري متوازن يمنحه أربعة فصول واضحة ومتناغمة، تجعله وجهة مناسبة للسياحة في جميع أوقات السنة.
في الشتاء، تتألق المناطق الجبلية مثل عجلون ومادبا بطبيعتها الخضراء وضبابها الساحر، بينما تبقى الأغوار والعقبة دافئة ومثالية للزوار الباحثين عن الشمس.
أما في الربيع، فتتحول البادية والسهول إلى لوحات مزهرة تستهوي عشّاق التصوير والطبيعة، في حين تتيح الجبال المرتفعة صيفًا أجواءً معتدلة ومريحة.
هذا التنوع المناخي يُعدّ أحد أسرار الجمال الأردني وأحد المقومات السياحية الكبرى التي يمكن البناء عليها لتفعيل السياحة الداخلية والخارجية على مدار العام.
ماعين… لوحة الجمال والشفاء
شلالات ماعين من أندر الظواهر الطبيعية في المنطقة، تنبع من أعماق الجبال بدرجات حرارة مرتفعة، وتشكّل لوحة طبيعية خلابة تجمع بين الجبال والمياه الدافئة والهواء العليل.
لكن ضعف الخدمات وغياب المرافق العامة والنقل السياحي المنظم حدّ من قدرتها على جذب الزوار، رغم قربها من مادبا والبحر الميت.
إن تطوير هذه المنطقة ببنية تحتية متكاملة وفنادق صغيرة ومسارات بيئية للمشي سيحوّلها إلى مركز عالمي للعلاج المائي والمناخ الشتوي.
الحِمّة الأردنية… إرث علاجي ينتظر الإحياء
تقع في شمال المملكة وتُعد من أقدم المنتجعات العلاجية في الشرق الأوسط، حيث اشتهرت منذ عقود بمياهها الكبريتية الساخنة التي تساعد في علاج أمراض المفاصل والجلد والجهاز العصبي.
لكنها اليوم بحاجة إلى تحديث شامل للبنية التحتية والفنادق والمسابح، وربطها مجددًا بالمسار السياحي الشمالي الذي يشمل أم قيس وسحم كفارات وطبقة فحل.
إن تطوير الحِمّة الأردنية لا يعني فقط خدمة الزوار، بل إحياء الاقتصاد المحلي في لواء بني كنانة والمناطق المجاورة، وتحويلها إلى مركز إقليمي للسياحة العلاجية في شمال الأردن.
وادي الحَسَا… الجمال الصعب المنال
وادي الحَسَا في جنوب الأردن موقع مذهل يجمع بين المغامرة والجمال الطبيعي والمياه الحارة، لكنه ما يزال يعاني من صعوبة الوصول وغياب الخدمات.
الطريق المؤدي إليه يحتاج إلى إعادة تأهيل، والمنطقة بحاجة إلى ممرات آمنة واستراحات صغيرة ومناطق جلوس تسمح للعائلات بالاستمتاع بالطبيعة دون عناء.
إن إعداد البنية التحتية المناسبة سيحوّل الوادي إلى وجهة بيئية وسياحية متكاملة، ومصدر جديد لفرص العمل في محافظتي الكرك والطفيلة.
تجربة مصر: الغردقة وشرم الشيخ كنموذج ملهم
لقد استطاعت مصر خلال العقود الماضية أن تحوّل مدنًا شبه مهجورة مثل الغردقة وشرم الشيخ إلى وجهات عالمية تستقبل ملايين الزوار سنويًا.
بدأ النجاح عندما وضعت الدولة خطة طويلة المدى لتطوير البنية التحتية، وفتحت الباب أمام الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي لبناء المنتجعات والفنادق، مع تقديم حوافز ضريبية وتشجيعية سخية.
كما ركّزت على التسويق الذكي والمستمر في أوروبا والعالم العربي، وربطت تلك المدن بمطارات وطرق حديثة، فصارت رمزًا للسياحة البحرية والترفيهية والعلاجية في المنطقة.
هذه التجربة تُثبت أن التخطيط والإدارة والترويج يمكنها أن تصنع من المواقع الطبيعية المتواضعة مدنًا سياحية عالمية، فما بالنا بالأردن الذي يمتلك طبيعة أجمل ومناخًا أكثر تنوعًا؟
الطريق إلى الأمام
إحياء السياحة في الأردن يتطلب تنسيقًا فعّالًا بين وزارة السياحة وهيئة الاستثمار والمكاتب السياحية، وتأسيس هيئة وطنية متخصصة في تطوير المواقع السياحية الواعدة.
كما يجب إطلاق حملة وطنية بعنوان:
“الأردن… وجهة العالم في التنوع والسياحة”، تُبرز فيها المواقع الأردنية كمحطات استجمام وثقافة وصحة ومغامرة في آن واحد.
إن تحويل شلالات ماعين، الحِمّة الأردنية، ووادي الحَسَا وغيرها إلى وجهات متكاملة للعلاج والاستمتاع بالمناظر الخلابة والمياه المتدفقة، سَيُحوّل هذه المناطق إلى مناطق جذب سياحي وخيار أول للسياح من مختلف الدول المحيطة، وسيمنح الأردن ميزة تنافسية فريدة، ويخلق فرص عمل جديدة، ويعزز صورته كبلد يجمع بين الطبيعة والعافية والضيافة.