الأردن الهاشمي .. لا يلين في عزيمته ولا يحيد عن الحق
السفير ماهر لوكاشه
26-10-2025 04:24 PM
في وطنٍ تأسّس على القيم قبل الحجر، كانت مسيرة الأردن امتدادًا لرسالة النهضة العربية التي حملها الهاشميون منذ نشأة الدولة؛ رسالة صاغت ملامح وطنٍ راسخٍ في قيمه، ثابتٍ في بوصلته، وواثقٍ بخطاه نحو المستقبل.
في مدرسة الهاشميين تعلّم الأردنيون أن الكبرياء الوطني يُصان بالفعل الصادق، لا بالشعار المرتفع. حكم الهاشميون بالتواضع والعدل، وقرّبوا المسافة بينهم وبين الشعب ، حتى شعر الأردني أن قيادته منه وإليه، تُصغي لنبضه وتقدّر إنسانيته، وتضع كرامته في مقدمة اعتبارها. تلك ليست مفاهيم نظرية، بل واقع يلمسه كل من عاش على هذه الأرض وعاصر تفاصيل العلاقة بين القيادة وشعبها.
ومن هذا النهج خرج الجيش العربي المصطفوي، جيش رسالة قبل أن يكون جيش قوة. جيشٌ حمل الشرف العسكري في سلوكه قبل ميدانه، واعتمد الانضباط والنخوة أساسًا لعقيدته. لا يعتدي على أحد، لكنه لا يتوانى عن حماية الأرض والحق. وعلى امتداد السنين، بات ذكره مقرونًا بالاحترام، لا من أبناء وطنه فحسب، بل من جيوش العالم التي تعرف معنى أن يُبنى الجيش على منظومة قيم قبل التسلّح.
واليوم، ومع خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الأمة، يتأكد من جديد أن العلاقة بين القيادة والشعب ليست علاقة حاكم بمحكوم، بل عهد متبادل في الولاء والوفاء. فحين يثني جلالته على ما قدّمه الأردنيون عبر السنين، فهو يدرك تمامًا حجم التضحيات التي قدمها هذا الشعب، وصبره وثباته وإيمانه بوطنه. وما كان لهذه الروح أن تزدهر لولا قيادة تؤمن بالناس، وتثق بقدرتهم، وتضعهم في قلب مشروع الدولة.
لقد واجه الأردن، في زمن الاضطراب الإقليمي، ضغوطًا واختبارات صعبة، لكنه وقف بثبات المبدأ ورجاحة العقل. لم يساوم على قيمه قط، بل تمسّك بأن لا عدل ولا سلام دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، على أرضها وحقها الكامل. واليوم، وبعد سنوات من الظلمة والتردد الدولي، بدأت الرؤية الأردنية تفرض حضورها، ويقترب العالم من الاعتراف بأن ما قاله الأردن يوم كان قول الحق مكلفًا… كان هو الطريق الوحيد للسلام الحقيقي.
أما في غزة، فقد أعاد الأردن التذكير بأن قيمة العطاء لا تقاس بحجم الإمكانات، بل بصدق النية وعمق الأخوة. فسيّر المستشفيات الميدانية، وأرسل فرسان الطب والإنقاذ، وسخّر سلاح جو النشامى لإيصال الغذاء والدواء والرحمة لأهلنا الصامدين. لم ينتظر شكرًا، ولم يبحث عن ضوء كاميرا؛ كان يفعل ما يمليه الضمير، وما اعتاد عليه الأردني حين يرى أخاه في محنة.
من أراد أن يفهم سرّ صلابة هذا الوطن الصغير بحجمه، الكبير برسالته، فلينظر إلى الهاشميين نهجًا، وإلى الأردنيين معدنًا، وإلى الجيش العربي المصطفوي درعًا.
فهنا تُروى حكاية وطن… قويٌ بإنسانيته، ثابتٌ بمبدئه، لا يلين في عزيمته… ولا يحيد عن الحق