رسم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في خطابه أمام مجلس الأمة لوحة سياسية وإنسانية عميقة حين قال: "يتساءل بعضكم كيف يشعر الملك؟ أيقلق الملك؟ نعم يقلق الملك، لكن لا يخاف إلا الله ولا يهاب شيئا، وفي ظهره أردني".
هذه العبارة لم تكن مجرد جملة عابرة في خطاب العرش بل كانت تلخيصا صادقا لفلسفة القيادة الأردنية في مواجهة قدر جغرافي فرض على الأردن أن يكون في قلب منطقة ملتهبة بالأزمات، وفي قلب مسؤوليات كبرى تفوق حجم موارده.
الملك وهو يقر بقلقه، لا يظهر ضعفا، بل يعكس عمق الإحساس بالمسؤولية، فالقلق هنا ليس قلق الخوف بل قلق الحريص على وطنه، وعلى استقرار شعبه وسط صراعات سياسية وأمنية واقتصادية تحيط بالأردن من كل اتجاه.
هو قلق القائد الذي يرى أبعد مما يرى الآخرون، والذي يدرك أن بقاء الأردن نموذجا في التوازن والاعتدال ليس صدفة، بل ثمرة وعي وقيادة وتلاحم شعبي قل نظيره في الإقليم.
وفي: "ولا يهاب شيئا وفي ظهره أردني"، أراد جلالته أن يرسل رسالة مزدوجة، أولها طمأنة الداخل بأن الثقة بين الملك وشعبه هي السور المنيع أمام كل التحديات، وثانيها للعالم الخارجي بأن الأردن ليس دولة يمكن الضغط عليها أو زعزعة استقرارها، لأنها تستمد قوتها من شعبها قبل مؤسساتها.
في تلك العبارة يختصر جلالة الملك جوهر العقد الاجتماعي الأردني؛ علاقة متبادلة من الإيمان، فكما يثق الأردنيون بقيادتهم يثق الملك بشعبه، ويعتبر كل مواطن سنده الحقيقي في مواجهة الرياح القادمة من كل الجهات.
لقد فرض القدر على الأردن أن يكون في قلب منطقة مليئة بالأزمات؛ حرب في الشمال وصراع في الجنوب، وتحديات اقتصادية وضغوط سياسية على كل المستويات، لكن هذا القدر ذاته صنع دولة تعرف كيف تحول الأزمات إلى فرص، وكيف تبقى صامدة حين تنهار الجدران من حولها.
الأردن بقيادته وشعبه، يشبه الجبل الذي يعتريه القلق حين تعصف الرياح لكنه لا ينحني، لذلك حين يقول الملك إنه يقلق، فإنما يشارك الأردنيين شعورهم اليومي، ويؤكد لهم أن القيادة ليست معزولة عن الواقع، بل هي جزء منه، تشعر وتتألم وتقاوم معهم.
"في ظهره أردني" ليست مجرد عبارة بل هي عقيدة وطنية، تختصر معادلة الصمود الأردني منذ التأسيس وحتى اليوم، إنها دعوة متجددة للتماسك، وللثقة بأن هذا الوطن مهما ضاقت به الجغرافيا واتسعت حوله الأزمات، سيبقى آمنا لأن خلف قيادته شعبا لا يعرف الهزيمة ولا يخاف إلا الله.