الكنيست وضم الضفة .. انقلابٌ تشريعيّ على أرض الواقع
صالح الشرّاب العبادي
27-10-2025 11:10 AM
* مواجهة عربية – أردنية مفصلية محتملة مع الكيان المحتل
خَطَّت الجلسات البرلمانية الإسرائيلية خطوةً جديدة على طريق تحويل مسار الاحتلال إلى سيادة معلنة: تصويت أولي ضيّق في الكنيست على مشروع قانون لفرض «السيادة الإسرائيلية» على أجزاء من الضفة الغربية، مع اعتماد مصطلحات التوراة التاريخية «يهودا والسامرة» في الخطاب الرسمي. هذا القرار ليس رمزياً فحسب؛ إنه محاولة منهجية لتحويل رواية احتلال مؤقت إلى واقع قانوني دائم يُشرعن التوسع الاستيطاني ويغلق أفق حلّ الدولتين.
لماذا هذا التصويت خطر استثنائي؟
أولاً، لأنه يخرق الإجماع الدولي والقانون الدولي الذي يعتبر الضفة أرضاً محتلة لا تُمنح سيادتها عبر تشريعات داخلية، بل عبر اتفاق سياسي دولي. ثانياً، لأنه يغيّر قواعد اللعبة الاستراتيجية: تحويل الضفة إلى جزءٍ من الدولة الإسرائيلية يعني القضاء عمليًا على إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً. وثالثًا، توقيته مستفزّ: في وقت تتطلّع فيه المنطقة إلى استقرارٍ ما بعد الحرب في غزة ، يأتي هذا التصويت ليُعمّق انفصال المسارات ويضع حائطاً أمام أي تسوية عادلة. وضربة استباقية قد تكون من خلال تفاهمات سرية بين امريكا وإسرائيل لتغير الأمر الواقع بعد اتفاق غزة المهدد بالاختراق اليومي وتهديد نتنياهو.
الموقف الأميركي: توتر بين البيت الأبيض ودوائر الضغوط
الموقف الأميركي الرسمي الرسمي موقف متذبذب بين الرفض والإدانة والادعاء بأن الاقتراح «استعراض سياسي داخلي»، يضع واشنطن في مأزق: من جهة تريد استمرار النفوذ الأميركي في ترتيب «ما بعد غزة»، ومن جهة أخرى ترفض أن تُفقد ثقة الشركاء العرب الذين رُصِدَت وعودٌ لهم بعدم ضمّ الضفة. تصريحات لمسؤولين أميركيين اعتبرت التصويت «إهانة» وهرطقة قد تضر بجهود الاستقرار ووقف إطلاق النار والعمل المستقبلي بعد اتمام مراحل الاتفاق ، وتضر بسياسات الشراكة الإقليمية. هذه الازدواجية الأميركية تُسوّق فكرة أن الضمّ قد يظل داخلياً، لكنه يكلف واشنطن والدول العربية جهداً دبلوماسياً وسياسياً عالياً ..
ردود الفعل العربية: توحّد لفظي وتباين عملي
ردود الفعل العربية جاءت سريعة وحادة: تنديد واسع من حكوماتٍ رسمية أبرزها بيانات من العواصم العربية ، ومجلس التعاون، والجامعة العربية، ومنظمات إسلامية ودول عالمية ، التي أكدت أن الضمّ غير شرعي و«لن يمرّ» وانه يهدد الأمن الإقليمي والسلام المنشود. التصريحات لم تتوقف عند الرفض، بل طالبت بتصعيد دبلوماسي وقانوني وإحالة الملف إلى المحافل الدولية. ولكن واقع المواقف العربية عملياً يظلّ محدوداً: الانقسامات الفلسطينية الداخلية والإقليمية، الاتفاقات الثنائية مع إسرائيل سابقًا، والمصالح الاقتصادية والأمنية تجعل من التنسيق العربي عملية معقدة لكنها ليست مستحيلة، المشاكل الداخلية العربية ( سوريا ولبنان والسودان ) مثالاً ..
الموقف الأردني: رفض واضح ومخاطر أمنية مباشرة
الأردن — باعتباره الوصي التاريخي على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس وبحكم الجوار المباشر — كان من أوضح الرافضين. تصريحات جلالة الملك المتكررة ترفض أي ضم أو تغيير واقع ديمغرافي أو استيطاني في الضفة، وتُحمّل إسرائيل مسؤولية تبعات أي إجراءات أحادية. هذا الموقف الأردني ليس شعارًا؛ إنه موقفٌ قائم على اعتبارات أمنية مباشرة: هجرة مضطردة، ضغط لاجئين، افتعال حوادث حدودية، وتوتر داخل المجتمعات الفلسطينية والأردنية على حد سواء. لذا فإن الأردن أمام معادلةٍ صعبة: موازنة رفضه القاطع مع الحاجة لآليات عملية تحمي الحدود وعدم تغير او تبديل الأمر الواقع حسب بنود اتفاقية السلام ، وتبعات ذلك الضم وهي خطيرة قد تؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل عام ..
الانعكاسات العملية: ما الذي يتغير على الأرض؟
1. سياسياً: القضاء الفعلي على أفق دولة فلسطينية متصلة، وتحوّل الملف الفلسطيني إلى إدارة فصلية منوعّة بين مناطق خاضعة لسيادة إسرائيلية وبين جيوب محاصرة.
2. قانونياً: فتح باب تشريعات أخرى تشرعن مشاريع الاستيطان وتحمي المستوطنين أمام محاكمٍ داخلية إسرائيلية، ما يعمّق انعدام المحاسبة الدولية ما لم تفعل المحافل الدولية دورها.
3. أمنيًا: ارتفاع احتمال المواجهات اليومية، وازدياد حوادث العنف الاستيطاني، وتصاعد المقاومة في الضفة والتي قد تنتشر الى الجبهات الأخرى ، مما يوسّع جبهة الصراع.
4 . المرحلة ما بعد الضم هو التهجير وهذه ستكون نقطة او ساعة الصفر المحتملة للصراع الداخلي او الحدودي او الاقليمي .
أيّ استراتيجيات عربية–أردنية واقعية؟
الرفض وحده لم يعد كافياً. على الدول العربية، وبخاصة الأردن، أن تجمَع بين الدبلوماسية والقانون والضغط الاقتصادي والمنعكسات الأمنية، وفق خطة دقيقة:
1. إجراءات دبلوماسية موحدة وفورية: دعوة طارئة لجامعة الدول العربية لفرض موقف موحّد، والضغط على الأمم المتحدة لإعلان مواقف وأُطر قانونية رادعة (قرارات دولية، إحالة للجنائية الدولية إن توافر مقرّ قانوني).
2. خطوات سياسية متدرجة: التأييد المتزامن بدولة فلسطينية في حدود 1967 (خطوة رمزية وقانونية) من مجموعة الدول العربية والدولية في حالة تصعيد إسرائيلي تشريعي. هذا يُعيد تعريف قواعد اللعبة ويجبر الحلفاء على إعادة تقييم مواقفهم.
3. آليات حماية مقدسات: تمسك الأردن بالوصاية، ورفع ملف أي تغيير ديمغرافي أو قانوني أمام مجلس الأمن، مع بناء تحالف دولي لحماية الأماكن المقدسة.
4. خريطة أمنية مشتركة: تعزيز التنسيق الأمني مع المجتمع الدولي لحماية الحدود ومنع تدفق موجات لجوء وتهجير قسري ، مع خطة طوارئ إنسانية مشتركة .
5. الضغط الاقتصادي: فرض تدابير اقتصادية ودبلوماسية مستهدفة على المستوطنات غير الشرعية، ورفض التطبيع السياسي الرسمي مع أي ضمّ رسمي أو تعديل للحدود دون التوصل لحل عادل.
6. وقف كل اتفاقيات التطبيع مع الكيان المحتل والتهديد بوقف العمل باتفاقيات السلام واغلاق السفارات وقطع العلاقات الدبلوماسية..
7. اغلاق المجال الجوي والبحري امام حركة الملاحة الجوية والبحرية والبرية الدولية لدولة الكيان ، مع حصار اقتصادي ، هذا إذا كانت الدول العربية جادة في لجم اسرائيل او الحؤول دون تماديها في عملية الضم والتهجير .
مواجهة الاختبار التاريخي
ما جرى في الكنيست ليس تمرينًا سياسياً عابرًا، بل إعلان نية لتحويل أرضٍ محتلة إلى جزءٍ من الدولة الإسرائيلية خطوة تحمل في طيّاتها صناعة واقعٍ جديدٍ في قلب الشرق الأوسط. أمام العالم العربي، وأمامهم خياران:
القبول بخريطة جديدة تقتل حلّ الدولتين تدريجياً.
أو اتخاذ خطوات عملية موحدة توقف هذا الانزلاق قبل أن يتحوّل إلى واقعٍ لا رجعة فيه.
هذا اختبار سيُقاس بالمواقف لا بالبيانات: فإما أن تستعيد الدبلوماسية والسياسة العربية فاعليتها بقوة وذات تاثير على أرض الواقع ، أو نواجه جميعًا شرقًا أوسطًا مُعادَ هندسته على حساب الحقّ والكرامة.