facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الذهب والحرب: كيف تحوّل موردٌ نفيس إلى محرّك دموي في السودان


صالح الشرّاب العبادي
02-11-2025 11:00 AM

حين تستيقظ الخرطوم على دويّ المدافع، وتنام الفاشر على أصداء الصراخ والتهجير، ندرك أن السودان لم يعد ذلك البلد الذي عرفته القارة يومًا بوصفه “سلة غذاء أفريقيا”. الأرض التي كانت تنبت القمح والذرة، باتت اليوم تُنبت الألم؛ والحقول التي كانت تُسقي البشر ماءً، أصبحت تسقيهم نارًا.

ليس المشهد صراعًا سياسيًا عابرًا، بل حرب طويلة تُغذّيها مناجم الذهب، وتُدار بخرائط المصالح الإقليمية والدولية، وتُطحن فيها الأرواح بلا رحمة.

من الجنجويد إلى دولة داخل الدولة

لم تولد قوات الدعم السريع فجأة. جذورها تمتد إلى ميليشيات الجنجويد التي استعان بها نظام عمر البشير في دارفور مطلع الألفية لإخماد التمرّد الأهلي. وقتها، كان المطلوب “ولاءً” أكثر منه “جيشًا”.
لاحقًا، تحوّل الولاء إلى مؤسسة، والمؤسسة إلى قوّة موازية للجيش، ثم إلى إمبراطورية نفوذ اقتصادي وعسكري يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تتاجر وتفاوض وتسافر وتوقّع، كأنها دولة داخل حدود الدولة.

الذهب.. لعنةٌ أشعلت الحرب

ما يجري في السودان اليوم هو نموذج صاخب لـ اقتصاد الحرب؛ موارد طبيعية تنفجر في وجه أصحابها.
يسيطر الدعم السريع على مناجم ذهب واسعة، ويُهرَّب جزء كبير من إنتاجها عبر حدود أفريقيا الوسطى وليبيا، وصولًا إلى موانئ إقليمية وأسواق عالمية.

هكذا تُشترى الأسلحة، وتُموَّل المعارك، ويُستمال الولاء.
لم يعد الذهب ثروة وطنية، بل وقودًا للحرب وشريانًا لبقائها.

وفي المقابل، يحاول الجيش السوداني الحفاظ على شبكات التمويل الحكومية المتداعية، لكن انهيار الاقتصاد والعملة والبُنى التحتية تركه في معركة استنزاف طويلة، يدفع ثمنها المواطن قبل الجندي.

لعبة الكبار: حين يتجاوز الصراع حدوده

الحرب لم تعد سودانية بحتة؛ اللاعبون في الظل أكثر من اللاعبين على الأرض.
نرى خيوطًا تمتد من الخليج إلى البحر الأحمر، ومن أفريقيا الوسطى إلى موسكو، مرورًا بقواعد المصالح الغربية والترتيبات الأمنية الإقليمية.
إنها حرب الوكلاء على بوابة أفريقيا؛ كل طرف يريد موطئ قدم في دولة تمتلك الموقع والثروة والمياه والمعادن والبحر.

الإنسان… ضحية الثروة

بين الخرطوم والفاشر وود مدني ودارفور، مأساة إنسانية تزداد قتامة:
• مدن محاصرة
• مجاعة تقترب
• جرائم تطهير عرقي موثقة
• ملايين مشردون وأطفال بلا مدارس
• وانهيار كامل لمؤسسات الدولة والخدمات الصحية

السوداني اليوم لا يسأل: من سينتصر؟
بل يسأل: من سيحميني كي أعيش؟

السودان الذي عرفته… شهادة ومسؤولية

السودان بالنسبة لي ليس خريطة على الورق ولا خبرًا في نشرات العالم. إنه وطن رأيته عن قُرب وخبرت قراه وطرقه ووجوه ناسه الطيبين. زرت ولاياته وخدمت فيه كمراقب دولي في كسلا، الدمازين، الأبيض، أبيي، كادقلي، واو، وود مدني وغيرها.
هناك لمستُ السودان الحقيقي؛ السودان الواسع بقلبه قبل مساحته، الغني بقيمه قبل موارده، السودان الذي يستحق أن يبقى واحدًا موحدًا آمنًا، لا تمزقه المنافع ولا تقسّمه السلطة.

طريق الخروج… يبدأ من تجفيف الدم لا من الخطابات

الحلّ السياسي وحده لا يكفي؛ الهدن المؤقتة لا تعني شيئًا أمام اقتصاد حرب متين.
إن أي مقاربة جادة تتطلب:
• إغلاق مسارات تهريب الذهب
• مراقبة دولية للمنافذ الحدودية وممرات التمويل
• تثبيت حماية إنسانية مستقلة
• نزع شرعية السلاح خارج الدولة
• إعادة بناء مؤسسات الأمن على نموذج وطني جامع

وإن الطريق إلى الخلاص يبدأ من طاولة حوار حقيقي لا يقوم على المناورات ولا على تقاسم الغنائم، بل على التنازل الصادق لأجل الوطن والشعب. فالسودان لا يحتاج طرفًا منتصرًا، بل دولة منتصرة وشعبًا مُصانًا.

إن الحفاظ على وحدة السودان الشمالي ضرورة مصيرية، فالتفتت لم يعد احتمالًا نظريًا بل خطرًا قائمًا يطرق الأبواب؛ وإن لم تتقدم القيادات نحو تسوية شاملة، فقد تُنتج هذه الحرب أكثر من «سودان»، وتلك ستكون الخسارة الأكبر في تاريخ الأمة السودانية.

السودان اليوم يتعلّم درسه القاسي: حين تتلاعب به القوى وتدعم طرف ضد طرف ، هنا تضعف الدولة ويقوى السلاح، وحين تتقدم الثروة على الإنسان، يصبح الذهب لعنة، وتتحول الأرض إلى مقبرة ، وهكذا يريدونها الغرب والشرق ودول عربية وكلاء عن تلك القوى العظمى على ارض السودان .

هذه ليست حرب جنرالَين، بل حرب على مستقبل وطن.
ومن يقاتل من أجل الذهب لا توقفه هدنة، بل نفاد المعدن أو نفاد البشر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :