إلى النائب حسين العموش: الدبلوماسية صمام أمان الوطن
السفير ماهر لوكاشه
03-11-2025 05:23 PM
لقد اطلعت باهتمام بالغ على أسئلتكم النيابية التي تعكس حرصكم على المصلحة العامة. اسمحوا لي أن أقدم لكم رؤية متكاملة من قلب الميدان الدبلوماسي، توضح الأبعاد الاستراتيجية لعمل وزارة الخارجية وسفاراتنا في الخارج:
أولاً: الدبلوماسية “صمام أمان” للوطن وليست “مشروعًا تجاريًا”
من الخطأ اختزال دور السفارة في كونها مكتبًا للاستثمار أو الترويج السياحي. السفارة هي خط الدفاع الأول للأردن في الخارج، وعيونه التي ترصد المتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية. دورنا الأساسي هو بناء التحالفات، تمرير الرسالة السياسية الأردنية، وحماية مصالحنا العليا في محيط إقليمي وعالمي مضطرب. كما نعمل بشكل وثيق مع الأجهزة المعنية في الدول المضيفة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو جهد استباقي يحمي أمننا القومي.
ثانياً: في الاقتصاد والاستثمار: نحن “بناة جسور” ولسنا “وسطاء ماليين”
دور السفارة ليس إحضار المستثمر من يده، بل فتح الأبواب المغلقة على أعلى المستويات، وبناء الثقة من خلال العمل على اتفاقيات حماية الاستثمار، وتزويد صانع القرار في الأردن بتقارير استراتيجية عن الأسواق الخارجية. قياس هذا الدور بقيمة الاستثمار الذي “دخل فعليًا” يتجاهل أن قرار الاستثمار يخضع لعوامل متعددة، ودورنا هو تهيئة المناخ وتسهيل الطريق.
ثالثاً: في السياحة: نحن “صناع السمعة” ولسنا “وكلاء سفر”
الترويج السياحي أعمق من توزيع المنشورات. نحن نعمل على بناء الصورة الذهنية للأردن كبلد آمن ومستقر وحضاري من خلال الفعاليات الثقافية والعلاقات الإعلامية. هذه السمعة هي المحرك الأول لقدوم السائح. كما نعمل استراتيجيًا مع كبرى شركات الطيران والسياحة لإدراج الأردن على خرائطهم العالمية، وهي جهود طويلة الأمد وتأثيرها تراكمي.
رابعاً: خدمة المواطن الأردني: السفارة هي “بيت الأردنيين” في الغربة
هذا واجبنا المقدس الذي يتجاوز المعاملات القنصلية. السفارة هي الملاذ الآمن للمواطن في الأزمات، وهي درعه القانوني الذي يتابع قضاياه ويضمن حمايته في الخارج. نحن صوت المواطن الأردني وخط دفاعه الأول في بلاد الغربة.
خامساً: الدبلوماسية متعددة الأطراف: الأردن كصوت للحكمة في المحافل الدولية
جزء كبير من عملنا، خاصة في نيويورك وجنيف، يتركز في المنظمات الدولية. هناك، نعمل على حشد الدعم لمواقفنا السياسية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لضمان بقائها على الأجندة الدولية. كما أن جزءًا كبيرًا من المساعدات والمنح التي تدعم موازنة الدولة ومشاريعها الحيوية هي نتاج مباشر لجهود دبلوماسية مكثفة لإقناع الشركاء الدوليين بأهمية دعم استقرار الأردن.
سادساً: الدبلوماسية الثقافية والعامة: بناء القوة الناعمة للأردن
القوة الناعمة هي قدرة الدولة على التأثير والجذب. من خلال نشر الفكر الأردني المعتدل، ورعاية برامج التبادل الطلابي والشبابي، وبناء علاقات مع النخب الفكرية والإعلامية، تعمل سفاراتنا على تصدير “العلامة الأردنية” كصوت للعقلانية والسلام. هذه السمعة تجعل من الأردن شريكًا موثوقًا ووجهة جاذبة.
سابعاً: رؤية مستقبلية لتطوير العمل الدبلوماسي
إن مساءلتكم تدفعنا للتفكير في المستقبل. بدلًا من التفكير في “إغلاق” السفارات، يجب أن يكون السؤال: “كيف نطور أداء سفاراتنا؟”. وذلك عبر تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية المتخصصة، وتبني الدبلوماسية الرقمية، وتطوير نماذج تقييم حديثة تقيس الأثر الاستراتيجي بدلًا من الاكتفاء بالكم.
في الختام، إن كل سفارة أردنية ترفع علمنا في الخارج هي استثمار استراتيجي في أمن الأردن ومستقبله. التحدي الحقيقي ليس في خفض النفقات، بل في تعظيم الأثر.